الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1284 حدثنا الحسن بن قزعة أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن الحجاج عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن علي قال وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي ما فعل غلامك فأخبرته فقال رده رده قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم التفريق بين السبي في البيع ورخص بعض أهل العلم في التفريق بين المولدات الذين ولدوا في أرض الإسلام والقول الأول أصح وروي عن إبراهيم النخعي أنه فرق بين والدة وولدها في البيع فقيل له في ذلك فقال إني قد استأذنتها بذلك فرضيت

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( يا علي ما فعل ) بالفتح أي : صنع ( غلامك ) أي : الغائب ( فأخبرته ) أي : أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم ببيعه ( رده ) أي : رد البيع ( رده ) كرره للتأكيد . قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه ابن ماجه ، قال الشوكاني : وهو من رواية ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه ، وقد أعله أبو داود بالانقطاع بينهما ، وأخرجه الحاكم وصحح إسناده ورجحه البيهقي لشواهده . انتهى . قوله : ( وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم التفريق بين السبي في البيع ) وكذا في غير البيع كالهبة ، قال الشوكاني : في أحاديث الباب دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد وبين الأخوين ، أما بين الوالدة وولدها فقد حكى في البحر عن الإمام يحيى أنه إجماع حتى يستغني الولد بنفسه ، وقد اختلف في انعقاد البيع فذهب الشافعي إلى أنه لا ينعقد ، وقال أبو حنيفة ، وهو قول للشافعي : أنه ينعقد ، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحرم التفريق بين الأب والابن وأجاب عن ذلك صاحب البحر بأنه مقيس على الأم ، ولا يخفى أن حديث أبي موسى المذكور في الباب يشمل الأب ، فالتعويل عليه إن صح أولى من التعويل على القياس ، وأما بقية القرابة فذهبت الهادوية ، والحنفية إلى أنه يحرم التفريق بينهم قياسا ، وقال الإمام يحيى والشافعي : لا يحرم ، والذي يدل عليه النص هو تحريم التفريق بين الإخوة ، وأما بين من عداهم من الأرحام فإلحاقه بالقياس فيه نظر ؛ لأنه لا تحصل منهم بالمفارقة مشقة كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد وبين الأخ وأخيه فلا إلحاق لوجود الفارق فينبغي الوقوف على ما تناوله النص ، وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق سواء كان بالبيع ، أو بغيره مما فيه مشقة تساوي مشقة التفريق بالبيع إلا التفريق الذي لا اختيار فيه للمفرق كالقسمة . انتهى كلام الشوكاني . قلت : المراد بحديث أبي موسى الذي أشار إليه الشوكاني حديثه الذي أخرجه ابن ماجه والدارقطني عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه . ( والقول الأول أصح ) يعني : صحيح فإنه يدل عليه أحاديث [ ص: 422 ] الباب ، وأما من رخص في التفريق مطلقا فأحاديث الباب حجة عليه ، اعلم أنه قد استدل على جواز التفريق بعد البلوغ بحديث سلمة بن الأكوع ، فأخرج أحمد ، ومسلم ، وأبو داود عنه قال : خرجنا مع أبي بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا . الحديث ، وفيه قال : فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر ، وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب وأجمله ، فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة ، ثم بت فلم أكشف لها ثوبا ، وفيه : فقلت هي لك يا رسول الله قال فبعث بها إلى أهل مكة ، وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم بتلك المرأة ، قال صاحب المنتقى بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه : وهو حجة في جواز التفريق بعد البلوع . انتهى ، قال الشوكاني قوله : فلم أكشف لها ثوبا كناية عن عدم الجماع ، والظاهر أن البنت قد كانت بلغت قال : وقد حكى في الغيث الإجماع على جواز التفريق بعد البلوغ ، فإن صح فهو المستند لا هذا الحديث ؛ لأن كون بلوغها هو الظاهر غير مسلم إلا أن يقال إنه حمل الحديث على ذلك للجمع بين الأدلة ، وقد استدل على جواز التفريق بين البالغين بما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت بلفظ : لا تفرق بين الأم وولدها قيل إلى متى ؟ قال : حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية ، وهذا نص على المطلوب صريح لولا أن في إسناده عبد الله بن عمرو الواقفي ، وهو ضعيف ، وقد رماه علي بن المديني بالكذب ولم يروه عن سعيد بن عبد العزيز غيره ، وقد استشهد له الدارقطني بحديث سلمة المذكور ، ولا شك أن مجموع ما ذكر من الإجماع وحديث سلمة وهذا الحديث منتهض للاستدلال به على التفرقة بين الكبير والصغير . انتهى كلام الشوكاني فتفكر وتأمل . قوله : ( وروي عن إبراهيم أنه فرق إلخ ) لم أقف على من أخرجه ، وفي قول إبراهيم هذا كلام كما لا يخفى ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية