الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2317 حدثنا أحمد بن نصر النيسابوري وغير واحد قالوا حدثنا أبو مسهر عن إسمعيل بن عبد الله بن سماعة عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه قال هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أحمد بن نصر النيسابوري ) الزاهد المقري أبو عبد الله بن أبي جعفر ثقة فقيه حافظ من الحادية عشرة ( حدثنا أبو مسهر ) اسمه عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي ، ثقة فاضل من كبار العاشرة ( عن إسماعيل بن عبد الله بن سماعة ) العدوي مولى آل عمر الرملي ، وقد ينسب إلى جده ، ثقة ، قديم الموت من الثامنة ( عن قرة ) هو ابن عبد الرحمن بن حيوئيل وزن جبرئيل المعافري البصري ، يقال اسمه يحيى ، صدوق له مناكير من السابعة .

                                                                                                          [ ص: 500 ] قوله : ( من حسن إسلام المرء ) أي من جملة محاسن إسلام الإنسان وكمال إيمانه ( تركه ما لا يعنيه ) قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث ما لفظه : معنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل ، واقتصاره على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ، ومعنى يعنيه أنه يتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه ، والعناية شدة الاهتمام بالشيء ، يقال عناه يعنيه : إذا اهتم به وطلبه ، وإذا حسن الإسلام اقتضى ترك ما لا يعنيه كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإن هذا كله لا يعنيه المسلم إذا كمل إسلامه ، انتهى مختصرا ، قال القاري في معنى تركه ما لا يعنيه : أي ما لا يهمه ولا يليق به قولا وفعلا ، ونظرا وفكرا وقال : وحقيقة ما لا يعنيه ما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه ، ولا ينفعه في مرضاة مولاه بأن يكون عيشه بدونه ممكنا ، وهو في استقامة حاله بغيره متمكنا ، وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة ، قال الغزالي : وحد ما يعنيك أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه لم تأثم ولم تتضرر في حال ولا مال .

                                                                                                          ومثاله أن تجلس مع قوم فتحكي معهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار ، وما وقع لك من الوقائع ، وما استحسنته من الأطعمة والثياب ، وما تعجبت منه من مشايخ البلاد ووقائعهم ، فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تتضرر ، وإذا بالغت في الاجتهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة ، ولا اغتياب لشخص ، ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى ، فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك ، ومحاسب على عمل لسانك ، إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ; لأنك لو صرفت زمان الكلام في الذكر والفكر ، ربما ينفتح لك من نفحات رحمة الله تعالى ما يعظم جدواه ، ولو سبحت الله بنى لك بها قصرا في الجنة ، وهذا على فرض السلامة من الوقوع في كلام المعصية ، وأن لا تسلم من الآفات التي ذكرناها انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه ابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان ، وقال ابن رجب : هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من رواية الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، وقال الترمذي : غريب ، وقد حسنه الشيخ المصنف يعني الإمام النووي لأن رجال إسناده ثقات ، وقرة بن عبد الرحمن بن جبريل وثقه قوم وضعفه آخرون ، وقال ابن عبد البر : هذا الحديث محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية [ ص: 501 ] الثقات ، وهذا موافق لتحسين الشيخ له ، وأما أكثر الأئمة فقالوا : ليس هو بمحفوظ بهذا الإسناد ، إنما هو محفوظ عن الزهري عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، كذلك رواه الثقات عن الزهري منهم مالك في الموطإ ويونس ومعمر وإبراهيم بن سعد إلا أنه قال : من إيمان المرء تركه ما لا يعنيه ، وممن قال إنه لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلا الإمام أحمد ويحيى بن معين والبخاري والدارقطني ، وقد خلط الضعف في إسناده على الزهري تخليطا فاحشا والصحيح فيه المرسل ، ورواه عبد الله بن عمر العمري عن علي بن حسين عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصله ، وجعله من مسند الحسين بن علي ، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده من هذا الوجه والعمري ليس بالحافظ ، وأخرجه أيضا من وجه آخر عن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم وضعفه البخاري في تاريخه من هذا الوجه أيضا وقال : لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر وكلها ضعيفة .




                                                                                                          الخدمات العلمية