الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2869 حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن يحيى الأبح عن ثابت البناني عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره قال وفي الباب عن عمار وعبد الله بن عمرو وابن عمر قال أبو عيسى وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه قال وروي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه كان يثبت حماد بن يحيى الأبح وكان يقول هو من شيوخنا [ ص: 138 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 138 ] قوله : ( أخبرنا حماد بن يحيى الأبح ) بفتح الهمزة والموحدة بعدها مهملة أبو بكر السلمي البصري صدوق يخطئ من الثامنة .

                                                                                                          قوله : ( مثل أمتي مثل المطر ) أي في حكم إبهام أفراد الجنس ( لا يدرى ) بصيغة المجهول ( أوله ) أي أوائل المطر أو المطر الأول ( خير ) أي أنفع ( أم آخره ) أي أواخره أو المطر الآخر قال التوربشتي : لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الآخر فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير شبهة ، ثم الذين يلونهم وفي الرابع اشتباه من قبل الراوي ، وإنما المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة . قال القاضي : نفى تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية وأراد به نفي التفاوت كما قال تعالى : قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض أي بما ليس فيهن كأنه قال لو كان لعلم ، لأنه أمر لا يخفى ولكن لا يعلم لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية وفضيلة توجب خيريتها كما أن كل نوبة من نوب المطر لها في النشوء والنماء لا يمكنك إنكارها والحكم بعدم نفعها ، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات وتلقوا دعوة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالإجابة والإيمان والآخرين آمنوا بالغيب لما تواتر عندهم من الآيات واتبعوا من قبلهم بالإحسان ، وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد ، فكل ذنبهم مغفور وسعيهم [ ص: 139 ] مشكور وأجرهم موفور . انتهى . قال الطيبي : وتمثيل الأمة بالمطر إنما يكون بالهدى والعلم كما أن تمثيله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الغيث بالهدى والعلم فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر بالعلماء الكاملين منهم المكملين لغيرهم فيستدعي هذا التفسير أن يراد بالخير النفع فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية ، ولو ذهب إلى الخيرية فالمراد وصف الأمة قاطبة سابقها ولاحقها وأولها وآخرها بالخير وأنها ملتحمة بعضها مع بعض مرصوصة كالبنيان مفرغة كالحلقة التي لا يدرى أين طرفاها . وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية : هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها تريد المكملة ، ويلمح إلى هذا المعنى قول الشاعر :


                                                                                                          إن الخيار من القبائل واحد وبنو حنيفة كلهم أخيار

                                                                                                          . فالحاصل أن الأمة مرتبط بعضها مع بعض في الخيرية بحيث أبهم أمرها فيها وارتفع التمييز بينها وإن كان بعضها أفضل من بعض في نفس الأمر وهو قريب من سوق المعلوم مساق غيره وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة :


                                                                                                          تشابه يوماه علينا فأشكلا فما نحن ندري أي يوميه أفضل
                                                                                                          يوم بداء العمر أم يوم يأسه وما منهما إلا أغر محجل

                                                                                                          ومن المعلوم علما جليا أن يوم بداءة العمر أفضل من يوم يأسه ، لكن البدء لما لم يكن يكمل ويستتب إلا باليأس أشكل عليه الأمر فقال ما قال وكذا أمر المطر والأمة . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عمار وعبد الله بن عمرو وابن عمر ) أما حديث عمار وهو ابن ياسر فأخرجه أحمد ، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث : وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة ، وأغرب النووي فعزاه في فتاواه إلى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث أنس ، وصححه ابن حبان من حديث عمار .




                                                                                                          الخدمات العلمية