الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5163 - وعن عمرو بن عوف - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فوالله لا الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم " متفق عليه .

التالي السابق


5163 - ( وعن عمرو بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فوالله لا الفقر ) : بالنصب مفعول مقدم للاهتمام على عامله وهو قوله : ( وأخشى عليكم ) والمعنى : ما أخشى عليكم الفقر لأن الغالب عليه السلامة وأنه أنفع لكم ، ولذا قيل : إن من العصمة أن لا تقدر وإن كان كاد الفقر أن يكون كفرا ( ولكن أخشى عليكم أن تبسط ) أي : توسع ( عليكم الدنيا ) أي : فتعملوا معاملة الأغنياء الأغنياء فتهلكوا بأنواع البلاء . ( كما بسطت على من كان قبلكم ) أي : فهلكوا بسبب عدم ترحمهم على الفقراء لأجل كمال الميل إلى المال ( فتنافسوها ) : بحذف إحدى التاءين عطف على تبسط ، من نافست في الشيء أي : رغبت فيه ، وتحقيقه أن المنافسة والتنافس ميل النفس إلى الشيء النفيس ، ولذا قال تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون والمعنى فتختاروها أنتم وترغبوا فيها غاية الرغبة ( كما تنافسوها ) : بصيغة الماضي أي : كما رغب فيها من قبلكم ( وتهلككم ) أي : الدنيا ( كما أهلكتهم ) .

قال الطيبي رحمه الله : فإن قلت : ما الفائدة في تقدم المفعول في القرينة الأولى دون الثانية ؟ قلت : فائدته الاهتمام بشأن الفقر لأن الأب المشفق إذا احتضر إنما يكون اهتمامه بشأن الولد وضياعه وإعدامه المال ، كأنه صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " حالي معكم خلاف حال الوالد فإني لا أخشى الفقر كما يخشاه الوالد ولكن خوفي من الغنى الذي هو مطلوب الوالد للولد " ثم التعريف في الفقر إما أن يكون للعهد ، فهو الفقر الذي كانت الصحابة عليه من الإعدام والقلة ، والبسط هو ما بسط الله عليهم من فتح البلاد ، وإما للجنس وهو الفقر الذي يعرفه كل أحد ما هو ، والبسط الذي يعرفه كل أحد ، ونظيره ما فسر به قوله تعالى : فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا اهـ . والظاهر أن المراد بالفقر ما لم يكن عنده جميع ما يحتاج إليه من ضروريات الدين والبدن ، وبالغنى الزيادة على مقدار الكفاية الموجبة للطغيان ، وشغل الإنسان عن عبادة الرحمن ، فالمعنى كما قال الطيبي رحمه الله : ترغبون فيها فتشتغلون بجمعها ، وتحرصون على إمساكها ، فتطغون بها فتهلكون بها . قال تعالى : كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ويحتمل أن يكون هلاكهم من أجل أن المال مرغوب فيه فيطمع الناس ويتوقعون منه فمنعه منهم فتقع العداوة بينهم " فيفضي ذلك إلى الهلاك اهـ . وهذا الاحتمال بعيد عن أن يكون المراد الحديث بل محال بلا مجال . ( متفق عليه )

وروى الطبراني في الصغير ، عن أنس مرفوعا قال : " من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه تعالى ، ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو الله تعالى ، ومن تضعضع لغني لينال مما في يديه أسخط الله تعالى ، ومن أعطي القرآن فدخل النار فأبعده الله تعالى " . ورواه أبو الشيخ في الثواب من حديث أبي الدرداء إلا أنه قال في آخره : " ومن قعد أو جلس إلى غني فتضعضع له لدنيا تصيبه ذهب ثلثا دينه ودخل النار " .




الخدمات العلمية