الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5289 - وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت . والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله " . رواه الترمذي ، وابن ماجه .

التالي السابق


5289 - ( وعن شداد ) : بتشديد الدال الأولى ( ابن أوس ) : بفتح فسكون قال المؤلف : يكنى أبا يعلى الأنصاري . قال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء : كان شداد ممن أوتي العلم والحلم . ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " الكيس " ) : بفتح الكاف وتشديد الياء أي : العاقل الحازم المحتاط في الأمور ( " من دان نفسه " ) ، أي : جعلها دنية مطيعة لأمره تعالى ، منقادة لحكمه وقضائه وقدره . وفي النهاية أي : أذلها واستعبدها . وقيل : حاسبها . وذكر النووي أنه قال الترمذي وغيره من العلماء : معنى دان نفسه حاسبها ، انتهى . أي : حاسب أعمالها وأحوالها وأقوالها في الدنيا ، فإن كانت خيرا حمد الله تعالى ، وإن كانت شرا تاب منها ، واستدرك ما فاتها قبل أن يحاسب في العقبى ، كما روي : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وقد قال تعالى : ولتنظر نفس ما قدمت لغد ( " وعمل " ) أي : عملا نافعا ( " لما بعد الموت . والعاجز " ) أي : عن استعمال العقل والاحتياط في الأمر ، والحاصل أنالكيس هو المؤمن القوي ، والعاجز هو المؤمن الضعيف ، وهو ( " من أتبع نفسه هواها " ) ، من الإتباع أي : جعلها تابعة لهواها من تحصيل المشتهيات واستعمال اللذات والشبهات ، بل من ارتكاب المحرمات وترك الواجبات ( " وتمنى على الله " ) قال : ربي كريم رحيم ، وقد قال الله تعالى جل شأنه : ما غرك بربك الكريم وقال : نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم . وقال : إن رحمة الله قريب من المحسنين وقال : إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله وقد عبر عن الرجاء مع غير الطاعة بلفظ التمني إشارة إلى أن وقوعه قريب من المحال ، وإن كان يمكن صدوره من الملك المتعال على طريق الإفضال . قال الطيبي - رحمه الله - : والعاجز الذي غلبت عليه نفسه وعمل ما أمرته به نفسه ، فصار عاجزا لنفسه فأتبع نفسه هواها وأعطاها ما اشتهته ، والمقابل الحقيقي بالعاجز ، والمقابل الحقيقي للكيس السفيه الرأي ، وللعاجز القادر ليؤذن بأن الكيس هو القادر ، والعاجز هو السفيه ، وتمنى على الله أي : يذنب ، ويتمنى الجنة من غير الاستغفار والتوبة . ( رواه الترمذي ، وابن ماجه ) . وكذا أحمد والحاكم .




الخدمات العلمية