الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5297 - وعن صهيب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عجبا لأمر المؤمن ! إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " . رواه مسلم .

التالي السابق


5297 - ( وعن صهيب ) : بالتصغير قال المؤلف : هو ابن سنان مولى عبد الله بن جدعان التيمي ، يكنى أبا يحيى ، كانت منازلهم بأرض الموصل فيما بين دجلة والفرات ، فأغارت الروم على تلك الناحية فسبته وهو غلام صغير فنشأ بالروم فابتاعه منهم كلب ، ثم قدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان فأعتقه ، فأقام معه إلى أن هلك ، وأسلم قديما بمكة ، وكان من المستضعفين المعذبين في الله بمكة ، ثم هاجر إلى المدينة ، وفيه نزل : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله روى عنه جماعة ، مات سنة ثمانين ، وهو ابن تسعين سنة ، ودفن بالبقيع ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " عجبا " ) أي : عجبت عجبا ( " لأمر المؤمن " ) أي : لشأنه وما له في كل حاله ( " إن أمره كله " ) : بالنصب ويجوز رفعه كما قرئ بالوجهين في قوله تعالى : قل إن الأمر كله لله أي : جميع أموره . ( له خير ) أي : خير له في المآل وإن كان بعضه شرا صوريا في الحال ، وقدم الظرف اهتماما ( " وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " ) : قال الطيبي - رحمه الله - : مظهر وقع موقع المضمر ليشعر بالعلية ، انتهى . وفيه أن الإظهار والإضمار مستويان في الإشعار بالعلية ، ولعل النكتة هي إظهار الإشعار على وجه التصريح ، فإنه آكد من طريق التلويح ، ثم بينه على وجه التوضيح بقوله : ( " إن أصابته سراء " ) أي : نعماء وسعة عيش ورخاء وتوفيق طاعة من أداء وقضاء ( " شكر فكان " ) أي : شكره ( خيرا له ، وإن أصابته ضراء ) : أي : فقر ومرض ومحنة وبلية ( صبر فكان ) أي : صبره ( " خيرا له " ) : وبهذا تبين قول بعض العارفين أنه لا يقال على الإطلاق : أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر ، بل حالة التفويض والتسليم أولى ، والقيام بمقتضى الوقت أعلى بحسب اختلاف الأحوال وتفاوت الرجال . قال تعالى جل جلاله : والله يعلم وأنتم لا تعلمون وقال تعالى : إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا .

وفي الحديث القدسي : ( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لفسد حاله ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لضاع حاله ) : لذا قال عمر - رضي الله تعالى عنه - : الفقر والغنى مطيتان لا أبالي أيتهما أركب . وعلى هذا الاختلاف الواقع بين القوم في طلب طول العمر لطاعة الله ، أو طلب الموت لخوف الفتنة ، أو للاشتياق إلى لقاء الله تعالى ، ثم المعتمد التفويض والتسليم ، كما أشار إليه - صلى الله تعالى عليه وسلم - في دعائه : " اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، واجعل الموت راحة لي من كل شر " ثم وجه حصر الخير في كل حال للمؤمن الكامل ; لأن غيره إن أصابته سراء شبع وبطر ، وإن أصابته ضراء جزع وكفر ، بخلاف حال المؤمن ، فإنه كما قال بعض أرباب الكمال :

إذا كان شكر نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتسع العمر إذا مس بالنعماء عم سرورها وإن مس بالضراء أعقبه الأجر

( رواه مسلم ) : وكذا الإمام أحمد . وروى أحمد وابن حبان عن أنس مرفوعا : " عجبت للمؤمن إن الله تعالى لم يقض له قضاء إلا كان خيرا له " وروى الطيالسي والبيهقي في شعب الإيمان عن سعد مرفوعا : " عجبت للمسلم إذا أصابته مصيبة احتسب وصبر ، وإذا أصابه خير حمد الله وشكر ، إن المسلم يؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه " .

[ ص: 3318 ]



الخدمات العلمية