الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5506 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا ، فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية ، وليتركن القلاص ، فلا يسعى عليها ، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد " رواه مسلم ، وفي رواية لهما قال : " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم ؟ " .

التالي السابق


5506 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا " ) : وفي نسخة : عدلا وهو أبلغ ( فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية " ) أي : ليحكم بما ذكر ، ( " وليتركن القلاص " ) : بصيغة الفاعل ، وفي نسخة بالمفعول ، وهو الملائم لقوله : ( " فلا يسعى عليها " ) أي : لا يعمل على القلاص ، وهو بكسر القاف جمع القلوص بفتحها ، وهي الناقة الشابة على ما في النهاية . والمعنى أنه يترك العمل عليها استغناء عنها لكثرة غيرها ، أو معناه لا يأمر أحدا بأن يسعى على أخذها ، وتحصيلها للزكاة لعدم من يقبلها ، ففي النهاية أي : يترك زكاتها فلا يكون لها ساع ، وقيل : لا يكون معها راع يسعى ، ففي الصحاح : كل من ولي أمر قوم فهو ساع عليهم . وقال المظهر : يعني ليتركن عيسى - عليه الصلاة والسلام - إبل الصدقة ، ولا يأمر أحدا أن يسعى عليها ويأخذها ; لأنه لا يوجد من يقبلها لاستغناء الناس عنها والمراد بالسعي العمل .

قال الطيبي - رحمه الله : ويجوز أن يكون ذلك كناية عن ترك التجارات ، والضرب في الأرض لطلب المال ، وتحصيل ما يحتاج إليه لاستغنائهم ( " ولتذهبن " ) أي : ولتزولن ( " الشحناء " ) : بفتح أوله : أي العداوة التي تشحن القلب وتملؤه من الغضب ( " والتباغض " ) أي : الذي هو سبب العداوة ( " والتحاسد " ) أي : الذي هو باعث التباغض ، وكلها نتيجة حب الدنيا ، فتزول كل هذه العيوب بزوال محبة الدنيا عن القلوب . وقال الأشرف : بهما تذهب الشحناء والتباغض والتحاسد يومئذ ; لأن جميع الخلق يكونون يومئذ على ملة واحدة ، وهي الإسلام ، وأعلى أسباب التباغض وأكثرها هو اختلاف الأديان . قلت : اليوم كثير من البلدان متفقون على ملة الإسلام ، وفيهم علماء الأعلام ومشايخ الكرام ، مع كثرة التباغض والتحاسد والعداوة بل المقاتلة والمحاربة بين الحكام ، وليس السبب والباعث عليها إلا حب الجاه بين الأنام ، والميل إلى المال الحرام . ( " وليدعون " ) : ضبط في نسخة بضم الواو ، ونسب إلى النووي - رحمه الله تعالى - ولا وجه له ، فالصواب ما في الأصول المعتمدة من أنه بفتح الواو وتشديد النون ، وفاعله ضمير عيسى - عليه الصلاة والسلام - والمعنى ليدعون الناس ( " إلى المال " ) أي : أخذه وقبوله ( " فلا يقبله أحد " ) :

[ ص: 3495 ] أي : استغناء بعطاء الأحد ( رواه مسلم ، وفي رواية لهما ) أي : لمسلم والبخاري بقرينة ذكر مسلم ، فإن الغالب أن يكون قرينا له ، فيه نوع تغليب للحاضر على الغائب . ( قال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم : ( " كيف أنتم " ) أي : حالكم ومآلكم ( " إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم " ) ؟ أي : من أهل دينكم ، وقيل من قريش وهو المهدي ، والحاصل أن إمامكم واحد منكم دون عيسى ، فإنه بمنزلة الخليفة ، وقيل : فيه دليل على أن عيسى - عليه الصلاة والسلام - لا يكون من أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - بل مقررا لملته ومعينا لأمته - عليهما السلام .

وفى شرح السنة قال معمر : وإنكم وإمامكم منكم ، وقال ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب : فإمامكم منكم ، قال ابن أبي ذئب في معناه : فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم .

قال الطيبي - رحمه الله : فالضمير في إمامكم لعيسى ، ومنكم حال ، أي : يؤمكم عيسى حال كونه من دينكم ، ويحتمل أن يكون معنى إمامكم منكم كيف حالكم وأنتم مكرمون عند الله تعالى ، والحال أن عيسى ينزل فيكم وإمامكم منكم ، وعيسى يقتدي بإمامكم تكرمة لدينكم ، ويشهد له الحديث الآتي اهـ . وسيأتي بقية الكلام عليه فيه ، وهو قوله .




الخدمات العلمية