الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5546 - وعنه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف : صنفا مشاة ، وصنفا ركبانا ، وصنفا على وجوههم " قيل : يا رسول الله ! وكيف يمشون على وجوههم ؟ قال : " إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك " . رواه الترمذي .

التالي السابق


5546 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف ) ، وفي نسخة على ثلاثة أصناف ، ويؤيد الأول قوله : ( صنفا مشاة ) : بضم الميم جمع ماش ، وهم المؤمنون الذين خلطوا صالح أعمالهم بسيئها ، ( وصنفا ركبانا ) أي : على النوق ، وهو بضم الراء جمع راكب ، وهم السابقون الكاملون الإيمان ، وإنما بدأ بالمشاة جبرا لخاطرهم ، كما قيل في قوله تعالى : فمنهم ظالم لنفسه ، وفي قوله سبحانه : يهب لمن يشاء إناثا أو لأنهم المحتاجون إلى المغفرة أولا ، أو لإرادة الترقي وهو ظاهر . وقال التوربشتي - رحمه الله : فإن قيل : لم بدأ بالمشاة بالذكر قبل أولي السابقة ؟ قلنا : لأنهم هم الأكثرون من أهل الإيمان . ( وصنفا على وجوههم ) أي : يمشون عليها ، وهم الكفار ( قيل : يا رسول الله ! وكيف يمشون على وجوههم ) ؟ أي والعادة أن يمشى على الأرجل ، ( قال : إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ) يعني : وقد أخبر في كتابه بقوله : الذين يحشرون على وجوههم ، وإخباره حق ، ووعده صدق ، وهو على كل شيء قدير ، فلا ينبغي أن يستبعد مثل ذلك ، ( أما ) : بالتخفيف للتنبيه ( إنهم ) أي :

[ ص: 3522 ] الكفار ( يتقون ) أي : يحترزون ويدفعون ( بوجوههم كل حدب ) أي : مكان مرتفع ( وشوك ) أي : ونحوه من أنواع ما يتأذى به ، والمعنى أن وجوههم واقية لأبدانهم من جميع الأذى ; لأجل أن غلت أيديهم وأرجلهم ، والأمر في الدنيا على عكس ذلك ، وإنما كان كذلك لأن الوجه الذي هو أعز الأعضاء لم يضعه ساجدا على التراب ، وعدل عنه تكبرا ، فجعل أمره على العكس .

قال القاضي - رحمه الله : قوله : يتقون بوجوههم يريد بيان هوانهم واضطرارهم إلى حد جعلوا وجوههم مكان الأيدي والأرجل في التوقي عن مؤذيات الطرق والمشي إلى المقصد ; لما لم يجعلوها ساجدة لمن خلقها وصورها ، ومما يناسب المقام ما يحكى : أنه رئي بعض الأغنياء أنه يسعى بين الصفا والمروة على بغلة بطريق الخيلاء ، ثم رئي في بعض البادية والصحراء أنه يمشي ، فقيل له في ذلك ، فقال : لما ركبنا في محل المشي عاقبنا الله بأن نمشي في محل الركوب ، هذا وقد قال تعالى : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وفسروا بأن يلقى الكافر مقلوبا في النار ، فلا يقدر أن يدفع عن نفسه النار إلا بوجهه . ( رواه الترمذي ) . وكذا أبو داود ، وابن جرير ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، وحسنه الترمذي - رحمهم الله .




الخدمات العلمية