الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

5561 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : جاء رجل فقعد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! إن لي مملوكين يكذبونني ، ويخونونني ويعصونني ، وأشتمهم وأضربهم ، فكيف أنا منهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك ، وعقابك إياهم ، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك إياهم دون ذنبهم كان فضلا لك ، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم ، اقتص لهم منك الفضل . فتنحى الرجل ، وجعل يهتف ويبكي ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أما تقرأ قول الله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين . فقال الرجل : يا رسول الله ! ما أجد لي ولهؤلاء شيئا خيرا من مفارقتهم ، أشهدك أنهم كلهم أحرار . رواه الترمذي .

التالي السابق


الفصل الثالث

5561 - ( عن عائشة قالت : جاء رجل فقعد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : قدامه ( فقال : يا رسول الله ! إن لي مملوكين ) : بكسر الكاف أي مماليك ، وهو يحتمل الذكور والإناث ففيه تغليب ، ( يكذبونني ) أي : يكذبون في أخبارهم لي ( ويخونونني ) أي : في مالي ( ويعصونني ) أي : في أمري ونهيي ، ( وأشتمهم ) : بكسر التاء ويضم ، ففي المصباح : شتم من باب ضرب ، وفي القاموس : من باب نصر أيضا ، أي أسبهم ( وأضربهم ) أي : ضرب تأديب ( فكيف أنا منهم ) ؟ أي كيف يكون حالي من أجلهم وبسببهم عند الله تعالى . ( فقال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك ) أي : مقدارها ( وعقابك ) : عطف على ما خانوك ، أي : ويحسب أيضا قدر شتمك وضربك إياهم ، ( فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم ) أي : عرفا وعادة ( كان ) أي : أمرك ( كفافا ) : بفتح الكاف ، ففي القاموس : كفاف الشيء كسحاب مثله ، ومن الرزق ما كف عن الناس وأغنى . وفي النهاية : الكفاف الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه ، وهذا هو الأنسب بالمقام ; ولذا قال بيانا له : ( لا لك ولا عليك ) أي : ليس لك فيه ثواب ولا عليك فيه عقاب ، بل فعله مباح ليس عليك جناح ، ( فإن ) : وفي نسخة وإن ( كان عقابك إياهم دون ذنبهم ) أي : أقل منه ( كان فضلا لك ) أي : عليهم ; فإن قصدت الثواب تجزيه وإلا فلا ، ( وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم ) : بالجمع هنا وبالإفراد فيما سبق ، المراد منه الجنس تفنن في الكلام أي : أكثر منه ( اقتص ) : بصيغة المجهول أي : أخذ بمثله ( لهم ) أي : لأجلهم ( منك الفضل ) أي : الزيادة ، ( فتنحى الرجل ) أي : بعد عن المجلس ( وجعل يهتف ) : بكسر التاء أي : شرع يصيح ( ويبكي فقال له رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : أما تقرأ قول الله تعالى : ونضع الموازين القسط ) أي : ذوات القسط

[ ص: 3534 ] وهو العدل ( ليوم القيامة ) أي : في ذلك اليوم ، فاللام للتوقيت ( فلا تظلم نفس شيئا ) أي : قليلا من الظلم ( وإن كان ) أي : العمل والظلم ( مثقال حبة ) أي : مقدارها ، وهو بالنصب عند الجمهور على أن كان ناقصة ، ورفع مثقال على كان التامة ، ( من خردل أتينا بها ) أي : أحضرناها والضمير للمثقال وتأنيثه لإضافته إلى الحبة وكفى بنا حاسبين ; إذ لا مزيد على علمنا ووعدنا ، ( فقال الرجل : يا رسول الله ! ما أجد لي ولهؤلاء ) أي : المملوكين . قال الطيبي - رحمه الله : الجار والمجرور هو المفعول الثاني ( شيئا ) أي : مخلصا ( خيرا من مفارقتهم ) أي : من مفارقتي إياهم ; لأن المحافظة على مراعاة المحاسبة والمطالبة عسر جدا ( أشهدك أنهم كلهم ) : بالنصب على التأكيد ، ويجور رفعه على الابتداء والخبر قوله : ( أحرار ) ، ونظيره قوله تعالى : قل إن الأمر كله لله ; حيث قرئ بالوجهين في السبعة . ( رواه الترمذي ) .




الخدمات العلمية