الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
53 - وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ، ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن ; فإياكم إياكم " . متفق عليه .

التالي السابق


53 - ( وعنه ) أي عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزني ) بإثبات الياء خطا ( الزاني حين يزني ، وهو مؤمن ) الواو للحال ، وظاهره دليل على أن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن ، وأصحابنا أولوه بأن المراد المؤمن الكامل في إيمانه ، أو ذو أمن من عذاب الله تعالى ، أو المراد المؤمن المطيع لله ، يقال : أمن له ، إذا انقاد وأطاع ، أو معناه الزجر والوعيد ، أو الإنذار لمرتكب هذه الكبائر بسوء العاقبة ، إذ مرتكبها لا يؤمن عليه أن يقع في الكفر الذي هو ضد الإيمان ، أو أن الإيمان إذا زنى الرجل خرج منه ، وكان فوق رأسه مثل الظلة ، فإذا انقلع رجع إليه ، وسيأتي تقريره . وقيل : معنى مؤمن مستح من الله تعالى ؛ لأن الحياء شعبة من الإيمان ، فلو استحى منه واعتقد أنه ناظر لم يرتكب هذا الفعل الشنيع ، وفيه بحث ، إذ سئل الجنيد : أيزني العارف ؟ فقال : وكان أمر الله قدرا مقدورا . مع أن هذا يرجع إلى القول الأول لأنه إذا انتفى تلك الشعبة انتفى كمال الإيمان ، لأن الكل ينتفي بانتفاء جزئه ، [ ص: 125 ] ونظيره : لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له . وقيل : إن صيغ الأفعال وإن كانت واردة على طريق الإخبار فالمراد منها النهي ، ويشهد له أنه روي : " لا يزن " بحذف الياء ، و " لا يشرب " بكسر الباء توفيقا بينه وبين ما سبق من الدلائل على أن الإيمان هو التصديق ، والأعمال خارجة عنه ، وقوله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) ونظائره . وفي حمله على النهي نظر ؛ لأنه يفهم منه جواز المنهي عنه ، وهو ليس بمؤمن كقول الطبيب : لا تشرب اللبن وأنت محموم ، وأما حذف الياء فإن صح ، فهو على أسلوب لا تكذب وأنت عالم أي أن كذبك عالما أفحش منه غير عالم ( ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) أي ولا يشرب الشارب الخمر ، وكذا في غيره وحذف ، وإن كان فاعلا لدلالة المقام عليه ، ويجوز أن يكون في كل منهما ضمير مستتر يعود إلى مؤمن . قال المالكي : ومن حذف الفاعل قوله عليه السلام : ( ولا يشرب ، ولا ينتهب ، ولا يغل ، ولا يقتل ) . أي شارب ، وناهب ، وغال ، وقاتل كقوله تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا ) في قراءة هشام أي حاسب ، كذا نقله الطيبي ، وقوله : غال سهو ؛ إذ فاعله موجود في الحديث ، وهو أحدكم ، وقوله : قراءة هشام يعني بالغيبة في أحد وجهيه ( ولا ينتهب ) انتهب ونهب ، إذا أغار على أحد وأخذ ماله قهرا ( نهبة ) بالضم : المال الذي ينتهب ، فهو مفعول به ، وبالفتح المصدر ( يرفع الناس ) صفة نهبة ( إليه ) أي إلى المنتهب ( فيها ) أي بسببها ولأجلها ، أو في حال فعلها أو أخذها ( أبصارهم ) أي تعجبا من جراءته ، أو خوفا من سطوته ، وهو مفعول يرفع ( حين ينتهبها وهو مؤمن ) والمعنى لا يأخذ رجل مال قوم قهرا وهم ينظرون إليه ، ويتضرعون لديه ، ويبكون ، ولا يقدرون على دفعه - وهو مؤمن ، فإن هذا ظلم عظيم لا يليق بحال المؤمن ( ولا يغل أحدكم ) الغلول : الجناية أو الخيانة في الغنيمة ، والغل الحقد ، ومضارع الأول بالضم وهو المراد ، والثاني بالكسر ( حين يغل ) أي يسرق شيئا من غنيمة ، أو يخون في أمانة ( وهو مؤمن فإياكم إياكم ) نصبه على التحذير ، والتكرير توكيد ومبالغة أي أحذركم من فعل هذه الأشياء المذكورة ( متفق عليه ) إلا قوله : " ولا يغل " فإنه من أفراد مسلم ، كذا قاله ميرك .




الخدمات العلمية