الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5906 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال : توفي أبي وعليه دين ، فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه ، فأبوا ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا ، وإني أحب أن يراك الغرماء ، فقال لي : ( اذهب فبيدر كل تمر على ناحية ، ففعلت ، ثم دعوته ، فلما نظروا إليه كأنهم أغروا بي تلك الساعة ، فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ، ثم قال : ( ادع لي أصحابك ) . فما زال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدي أمانته ، وأنا أرضى أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة ، فسلم الله البيادر كلها ، وحتى إني أنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنها لم تنقص تمرة واحدة . رواه البخاري .

التالي السابق


5906 - ( وعن جابر قال : توفي ) : بصيغة المجهول أي : قبض ومات ( أبي وعليه دين ، فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر ) ، أي : جميع ثمرنا ( بما عليه ) ، أي : في مقابلة ما على أبي ( فأبوا ) ، أي : امتنعوا لأنه كان في أعينهم قليلا وهم يهود ( فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : قد علمت ) ، أي : أنت ( أن والدي استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا وإني ) : بكسر الهمزة ( أحب أن يراك الغرماء ) ، أي : عندي لعلهم يراعوني ( فقال لي : اذهب فبيدر كل تمرة على ناحية ) ، أي : اجمع كل نوع صبرة على حدة ، أمر من بيدر الطعام إذا داس في البيدر ، وهو الموضع الذي يداس فيه الطعام ، والمراد هنا اجعل كل نوع من تمرك بيدرا أي : صبرة واحدة ، وقيل : فرق كل نوع في موضعه ، ( ففعلت ) .

[ ص: 3805 ] أي صبرا وبيادر ( ثم دعوته ) ، أي طلبته - صلى الله عليه وسلم - ( فلما نظروا إليه كأنهم أغروا بي ) : بصيغة المجهول أي : لجوا في مطالبتي ، وألحوا كأن دواعيهم حملتهم على الإغراء بي من أغريت الكلب أي : هيجته ، والمعنى أغلظوا علي ، فكأنهم هيجوا بي ، وقيل : هو من غرى بالشيء إذا ولع به ، والاسم الغراء بالفتح والمد ، فمعنى أغروا بي ألصقوا بي ( تلك الساعة ) ، أي : ظنا منهم أنه - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم بالمسامحة أو بحط بعض الدين أو بالصبر ، فأظهروا ما يدل على أنهم لا يرضون بشيء من ذلك ( فلما رأى ما يصنعون طاف ) ، أي : دار ( حول أعظم ) ، أي : أكبر تلك البيادر ( بيدرا ) : التمييز للتأكيد نحو قوله تعالى : ذرعها سبعون ذراعا ( ثلاث مرات ) . ظرف طاف ( ثم جلس عليه ) ، أي : على أعظمها ( ثم قال : ادع لي أصحابك ) ، أي أصحاب دينك ( فحضروا فما زال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدي ) ، أي : قضى عنه ( أمانته ) ، أي دينه ، وسمي أمانة لأنه ائتمن على أدائه قال تعالى : وتخونوا أماناتكم أي ما ائتمنتكم عليه ، ذكره التوربشتي . ( وأنا أرضى ) ، أي : كنت أرضى حينئذ ( أن يؤدي الله أمانة والدي ) : ولا أرجع - بالنصب . ويجوز رفعه على أن تكون الجملة حالية أي : ولا أنقلب ( إلى أخواتي بتمرة ، فسلم الله البيادر كلها ) . أي جعلها سالمة عن النقصان ذكره شارح ، أو خلصها عن أيدي الغرماء ببركته - صلى الله عليه وسلم - ( وحتى أني ) بفتح الهمزة وجوز كسرها . قال الطيبي : حتى هي الداخل ما بعدها فيما قبلها ، وهي عاطفة على مقدر جمع أولا في قوله : فسلم الله البيادر كلها ثم فصلها بقوله : حتى كذا وحتى كذا اهـ . ومجمله : أنها عطف على مقدر أي فسلم الله البيادر كلها حتى لم ينقص من تلك البيادر التي لم يكلها شيء أصلا . وحتى أني ( أنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم - ) أي : جالسا ( كأنها ) ، أي : القصة أو البيدر والتأنيث باعتبار الصبرة ( لم تنقص تمرة ) : بالرفع على أن النقص لازم أي : لم ينتقص تمرة منها . وفي نسخة بالنصب على أنها تمييز أو مفعول ، والإسناد إلى الصبرة مجازي ، وقوله : ( واحدة ) : للتأكيد ( رواه البخاري ) . وكذا النسائي .




الخدمات العلمية