الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6040 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو ؟ فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له ضعفه ، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب ، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن ) .

التالي السابق


6040 - ( وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( بينا أنا نائم رأيتني على قليب ) أي : بئر لم تطو وضدها المطوية بالحجارة والآجر ( عليها ) أي : فوقها ( دلو ) أي : ودلو معلقة عليها ( فنزعت ) أي : جذبت مما فيها ( منها ما شاء الله ) ، أي ما قدره الله وقضاه ( ثم أخذها ) أي : الدلو ( ابن أبي قحافة ) : بضم القاف ( فنزع منها ذنوبا ) : بفتح الذال المعجمة وهو الدلو وفيها ماء ، أو الملأى أو دون الملأى كذا في القاموس . ( أو ذنوبين ) : شك من الراوي ، والصحيح رواية ذنوبين ذكره ابن الملك ، والأظهر أن ( أو ) بمعنى ( بل ) فلا يحتاج إلى تخطئة الراوي ولا إلى شكه وتردده ، ويمكن أن يكون المراد بذكرهما إشارة إلى قلته مع عدم النظر عن تحقق عدده . ( وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له ضعفه ) ، جملة حالية دعائية وقعت اعتراضية مبينة أن الضعف الذي وجد في نزعه لما يقتضيه تغير الزمان وقلة الأعوان غير راجع إليه بنقيضه ( ثم استحالت ) أي : انقلبت الدلو التي كانت ذنوبا ( غربا ) : بفتح فسكون أي دلوا عظيمة على ما في القاموس ، وزاد ابن الملك : التي تتخذ من جلد ثور ، ( فأخذها ابن الخطاب ، فلم أر عبقريا ) : بتشديد التحتية أي رجلا قويا ( من الناس ينزع ) : بكسر الزاي ( نزع عمر ) أي : جبذه وهو مفعول مطلق ( حتى ضرب الناس بعطن ) ، بفتحتين أي حتى أرووا إبلهم فأبركوها وضربوا لها عطنا وهو مبرك الإبل حول الماء . قال القاضي : لعل القليب إشارة إلى الدين الذي هو منبع ما به تحيا النفوس ويتم أمر المعاش ، ونزع الماء في ذلك إشارة إلى أن هذا الأمر ينتهي من الرسول - عليه السلام - إلى أبي بكر ، ومنه إلى عمر ، ونزع أبي بكر ذنوبا أو ذنوبين إشارة إلى قصر مدة خلافته ، وأن [ ص: 3898 ] الأمر إنما يكون بيده سنة أو سنتين ، ثم ينتقل إلى عمر ، وكان مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر ، وضعفه فيه إشارة إلى ما كان في أيامه من الإضراب والارتداد واختلاف الكلمة ، أو إلى ما كان له من لين الجانب وقلة السياسة والمداراة مع الناس ، ويدل على هذا قوله : وغفر الله له ضعفه ، وهو اعتراض ذكره - صلى الله عليه وسلم - ليعلم أن ذلك موضوع ومغفور عنه غير قادح في منصبه ، ومصير الدلو في نوبة عمر غربا ، وهو الدلو الكبير الذي يستقي به البعير إشارة إلى ما كان في أيامه من تعظيم الدين ، وإعلاء كلمة الله ، وتوسع خططه وقوته ، وجده في النزع إشارة إلى ما اجتهد في إعلاء أمر الدين ، وإفشائه في مشارق الأرض ومغاربها اجتهادا بما لم يتفق لأحد قبله ولا بعده ، والعبقري : القوي ، وقيل : العبقر اسم واد يزعم العرب أن الجن تسكنه فنسبوا إليه كل من تعجبوا منه أمرا كقوة وغيرها ، فكأنهم وجدوا ما وجدوا منه خارجا عن وسع الإنسان ، فحسبوا أنه جيء من العبقر ، ثم قالوه لكل شيء نفيس .

وقال النووي : قوله : في نزعه ضعف ليس به حط لمنزلته ، ولا إثبات فضيلة لعمر عليه ، وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما ، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وفتح البلاد وحصول الأموال والغنائم ، وأما قوله : والله يغفر له ضعفه ، فليس فيه نقص ولا إشارة إلى ذنب ، وإنما هي كلمة كان المسلمون يزينون بها كلامهم . وقد جاء في ( صحيح مسلم ) أنها كلمة كان المسلمون يقولونها افعل كذا والله يغفر لك . وفي قوله : فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة إشارة إلى نيابة أبي بكر وخلافته بعده ، وراحته - صلى الله عليه وسلم - بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها . وفي قوله : ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر إلى قوله : وضربوا بعطن إشارة إلى أن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وابتدأ الفتوح ومهد الأمور ، وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر - رضي الله عنه .




الخدمات العلمية