الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
700 - وعن جابر رضي الله عنه ، قال : خلت البقاع حول المسجد ، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : ( بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ) . قالوا : نعم يا رسول الله ! قد أردنا ذلك . فقال : ( يا بني سلمة ! دياركم ، تكتب

آثاركم ، دياركم ، تكتب آثاركم
) . رواه مسلم

التالي السابق


700 - ( وعن جابر قال : خلت البقاع ) : بكسر الباء ، وضبط بعضهم بالضم سهو قلم ( حول المسجد ) أي : أطرافه قريبا منه ( فأراد بنو سلمة ) كسر اللام قبيلة من الأنصار ، وكان بينهم وبين المسجد مسافة بعيدة ( أن ينتقلوا قرب المسجد ) بنزع الخافض أي : إلى مكان بقربه ( فبلغ ذلك ) أي : انتقالهم المفهوم من أن ينتقلوا ( النبي صلى الله عليه وسلم ) : بالإخبار أو الوحي ( فقال لهم : ( بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ) . قالوا : نعم يا رسول الله ! قد أردنا ذلك . فقال : ( يا بني سلمة ! دياركم ) : بالنصب على الإغراء أي : الزموا دياركم ( تكتب ) يروى بالجزم على

[ ص: 593 ] جواب الزموا ، ويجوز الرفع على الاستئناف ، أو الحال لبيان الموجب ( آثاركم ) : جمع أثر ، وأثر الشيء حصول ما يدل على وجوده . قال تعالى : ونكتب ما قدموا وآثارهم أي : أجر خطاكم ، وثواب أقدامكم ، لكل خطوة درجة ، فكلما كان الخطا أكثر يكون الأجر أكثر ( دياركم ، تكتب آثاركم ) : كرره للتأكيد . قال الطيبي : بنو سلمة بطن من الأنصار ، وليس في العرب سلمة بكسر اللام غيرهم ، كانت ديارهم على بعد من المسجد ، وكان يجهدهم في سواد الليل وعند وقوع الأمطار واشتداد البرد ، فأرادوا أن يتحولوا قرب المسجد ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى جوانب المدينة فرغبهم فيما عند الله من الأجر على نقل الخطا ، والمراد بالكتابة أن تكتب في صحف الأعمال أي كثرة الخطا سبب لزيادة الأجر ، أو أن تكتب في كتب السير أي : تكتب قصتكم ومجاهدتكم في العبادة في كتب سير السلف ، فيكون سببا لحرص الناس على الجد والاجتهاد ( ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) الحديث اهـ . وفيه تنبيه على أن في الحديث معجزة له عليه السلام ، وإشارة إلى أن التكرار ليس للتأكيد ، بل بشارة إلى الكتابتين ( رواه مسلم ) .

قال ميرك : وأخرج البخاري قريبا من معنى هذا الحديث من طريق أنس ، لا من طريق جابر ، ولا ينافي هذا الحديث والذي قبله ما ورد : من أن شؤم الدار عدم سماعها للأذان ، لأن الشآمة من حيث إنه ربما أدى إلى فوات الوقت أو الجماعة ، والفضل من حيث كثرة الخطا المستلزمة لكثرة الأجر ، فالحيثية مختلفة ، وقد صرح ابن العماد بأن الدار البعيدة أفضل ، واستدل بما هنا ، وبخبر مسلم عن جابر : كانت ديارنا بائنة عن المسجد ، فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقرب من المسجد ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن لكم بكل خطوة درجة ) . وروى مسلم أيضا : أن بعض الصحابة كان أبعدهم دارا فقيل له : ألا تركب ؟ قال : ما سرني أن منزلي بجنب المسجد إني أريد أن يكتب في ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي ، فقال عليه السلام : ( قد جمع الله لك ذلك كله ) . وروى أحمد خبر : فضل الدار البعيدة عن المسجد على القريبة كفضل الفارس على القاعد . قال ابن حجر : ومحل ذلك فيمن لم يفته ببعد داره مهم ديني كتعليم علم وتعلمه ، ونحوها من فروض الكفايات ، وإلا فالقريبة أفضل في حقه كالضعيف عن المشي .




الخدمات العلمية