الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
74 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة : فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر ، وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير ، وتصديق بالحق فمن وجد ذلك ؛ فليعلم أنه من الله ، فيحمد الله ، ومن وجد الأخرى ؛ فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) . ثم قرأ ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) . رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب .

التالي السابق


74 - ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن للشيطان ) أي : إبليس ، أو بعض جنده ( لمة ) : اللمة بالفتح من الإلمام ، ومعناه النزول ، والقرب ، والإصابة ، والمراد بها ما يقع في القلب بواسطة الشيطان ، أو الملك ( بابن آدم ) أي : بهذا الجنس فالمراد به الإنسان ( وللملك لمة ) : فلمة الشيطان تسمى وسوسة ، ولمة الملك إلهاما ( فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر ) : كالكفر ، والفسق ، والظلم ( وتكذيب بالحق ) أي : في حق الله ، أو حق الخلق ، أو بالأمر الثابت كالتوحيد ، والنبوة ، والبعث ، والقيامة ، والنار ، والجنة ( وأما لمة الملك فإيعاد بالخير ) : كالصلاة ، والصوم ( وتصديق بالحق ) : ككتب الله ، ورسله ، والإيعاد في اللمتين من باب الإفعال ، والوعيد في الاشتقاق كالوعد [ ص: 144 ] إلا أن الإيعاد اختص بالشر عرفا يقال أوعد إذا وعد بشر إلا أنه استعمله في الخير للازدواج ، والأمن عن الاشتباه بذكر الخير بعده كذا قالوا ، والظاهر أن هذا التفصيل عند الإطلاق كما قال الشاعر :


وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي



وأما عند التقييد فالأولى أن يقال بالتجريد فيهما ، أو بأصل اللغة ، واختيار الزيادة لاختيار المبالغة ( فمن وجد ) : أي في نفسه ، أو أدرك ، وعرف ( ذلك ) أي : لمة الملك على تأويل الإلمام ، أو المذكور ( فليعلم أنه من الله ) : أي : منة جسيمة ، ونعمة عظيمة ، واصلة إليه ، ونازلة عليه إذ أمر الملك بأن يلهمه ( فليحمد الله ) أي : على هذه النعمة الجليلة حيث أهله لهداية الملك ، ودلالته على ذلك الخير تصديقا وتحصيلا ، ثم معرفة الخواطر والتمييز بينها محل بسطها كتب الصوفية ، وقد بينها الغزالي في منهاج العابدين تبيينا لطيفا ، واتفق المشايخ على أن من كان مأكله من الحرام لا يميز بين الوسوسة والإلهام ، بل قال الدقاق : من كان قوته معلوما أي : بأن لم يتوكل على الله حق توكله لا يفرق بينهما ، ثم الإلهام ، وإن كان غير معتبر في حق الأحكام لكنه معتبر في معرفة وساوس النفس ، ومكايد الشيطان ، وإنما قدمها هنا ، وأخرها أولا لأن لمة الشيطان شر ، والابتلاء بها أكثر ، فكانت الحاجة ببيانها أمس ، ولما فرغ منه قدم لمة الملك تعظيما لشأنها ، وإشعارا بأن رحمته سبقت غضبه ( ومن وجد الأخرى ) أي : لمة الشيطان ( فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) : وليخالفه ، وفيه إيماء إلى أن الكل من الله تعالى ، وإنما الشيطان عبد مسخر أعطي له التسليط على بعض أفراد الإنسان كما قال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) وإنما لم يقل هنا فليعلم أنه من الله تأدبا معه إذ لا يضاف إليه إلا الخير ( ثم قرأ ) : - صلى الله عليه وسلم - استشهادا ( الشيطان يعدكم الفقر ) أي : يخوفكم به ، ( ويأمركم بالفحشاء ) أي : بالبخل ، والحرص ، وسائر المعاصي ، فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، أو معناه الشيطان يعدكم الفقر ليمنعكم عن الإنفاق في وجوه الخيرات ، ويخوفكم الحاجة لكم ، أو لأولادكم في ثاني الحال سيما في كبر السن ، وكثرة العيال ، ويأمركم بالفحشاء أي المعاصي ، وهذا الوعد ، والأمر هما المرادان بالشر في الحديث ، وتتمة الآية : ( والله يعدكم مغفرة ) أي : لذنوبكم على الصبر في الفقر ، والطاعة ( منه ) أي : من عنده عدلا ، أو فضلا ، أي : يعدكم زيادة الخير على المغفرة ، وثواب الطاعة بالأضعاف المضاعفة ، أو خلفا في الدنيا ، وعوضا في العقبى ( والله واسع عليم ) : تذييل للكلام السابق إشارة إلى سعة مغفرته ، ورحمته ، ووفور علمه بأحوال العباد ومصالحهم . ( رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب ) : وتعريف الغرابة ، وتفصيلها متنا ، وإسنادا مذكور في أصول الحديث .




الخدمات العلمية