الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
826 - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا : آمين ، يجبكم الله ، فإذا كبر وركع ، فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فتلك بتلك " ، قال : وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا لك الحمد ، يسمع الله لكم " ، رواه مسلم .

827 - وفي رواية له عن أبي هريرة ، وقتادة : " وإذا قرأ فأنصتوا " .

التالي السابق


826 - ( وعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صليتم ) ، أي : أردتم الصلاة ( فأقيموا ) ، أي : سووا ( صفوفكم ) : فيسن تسويتها بأن لا يكون فيها اعوجاج ولا فرج ( ثم ليؤمكم ) : بكسر اللام وتسكن ( أحدكم ) : والأفضل أفضل ، فلا ينافيه رواية : أكبركم ؛ لأنها لبيان الأفضل ، وتلك لبيان حصول أصل الجماعة ، أو محمولة على استواء الجميع في السن والفضيلة ( فإذا كبر فكبروا ) : يريد أن موافقة الإمام واجبة قاله ابن الملك ، وقال ابن حجر : استفيد منه أنه يجب تأخير جميع تكبيرة المأموم عن جميع تكبيرة الإمام ، فمتى تقدم المأموم بها على الإمام أو قارنه فيها أوشك في ذلك بطلت صلاته ( وإذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا : آمين ) : فيه إشارة إلى السكوت والاستماع ، قال ابن حجر : استفيد منه ندب مقارنة تأمين المأموم تأمين الإمام ؛ لأنه قد علم أن الإمام يندب له عقب فراغه من الفاتحة التأمين ، والمأموم أمر في هذا الحديث بأن يؤمن عقب فراغ الإمام أيضا ، فوقع تأمينهما في زمن واحد ، فتعين أن معنى الخبر السابق : إذا أمن الإمام فأمنوا ، أي : أراد مقارنة التأمين ليجتمع الحديثان اهـ .

وفيه أنه لا يظهر فرق بين هذه الشرطية والشرطية السابقة ، حيث أن الأولى أفادت الوجوب ، والثانية الندب ، اللهم إلا أن يقال : أنه مستفاد من دليل آخر فتدبر ( يجبكم الله ) : بالجزم على جواب الأمر بالقول ( فإذا كبر وركع فكبروا ، واركعوا ، فإن الإمام يركع قبلكم ، ويرفع قبلكم ) : وفي رواية : فإن الإمام إنما جعل ليؤتم به ، قال الطيبي : تعليل لترتيب الجزاء على الشرط فإن الجزاء مسبب على الشرط والسبب مقدم على المسبب ( فقال ) : أي بعد ما قال من التعليل قال : ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : هذا هو الصواب الموافق للنسخ المصححة المضبوطة بالتصلية والتسليم المصرحة بأن القائل هو عليه السلام ، وقد أخطأ ابن حجر حيث قال : ومن ثم قال الراوي أبو موسى : ( فتلك بتلك ) : قال النووي : معناه أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تنجبر بتأخركم في الركوع بعد رفعه لحظة فتلك اللحظة بتلك اللحظة ، وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه ( قال ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإذا قال ) : أي الإمام : ( سمع الله لمن حمده ) : بالضم ويسكن ( فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد ) : قال النووي : قيل فيه دلالة لمذهب من يقول : لا يزيد المأموم على قوله : ربنا لك الحمد ؛ ولأنه يقول سمع الله لمن حمده ، ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام والمأموم ، والمنفرد ؛ لأنه عليه السلام قال : " صلوا كما رأيتموني أصلي " اهـ ، وفيه أن الدليل القولي أقوى من الدليل الفعلي ؛ لأن قوله تشريع لا يحتمل الخصوصية بخلاف فعله ، وأيضا يحمل جمعه على حالة الانفراد ، وإفراده على حالة الجمع ، وبه يحصل الجمع ويوافق : " صلوا كما رأيتموني أصلي " والله أعلم ، قال النووي قوله لك الحمد بلا واو ، وفي غير هذا الموضع بالواو ، والمختار أن الوجهين جائزان ولا ترجيح لأحدهما على الآخر اهـ .

وقال مولانا أبو المكارم من أصحابنا في شرح النقاية : جاء في التحميد أربع روايات : ربنا لك الحمد في القنية هو الصحيح ، وقال الطحاوي هو الأصح ، وفي القنية الأظهر : ربنا ولك الحمد ، واللهم ربنا لك الحمد ، في المحيط هو الأفضل : اللهم ربنا ولك الحمد ، وهو الأحسن ، والكل منقول عن النبي كذا في الكافي اهـ .

وقال ابن القيم في هديه : صح عنه عليه السلام ذلك كله ، وأما الجمع بين اللهم والواو فلم يصح اهـ ، فقول ابن حجر هنا بعد لفظ الحديث أو ولك الحمد وهو الأفضل غير صحيح ، قال القاضي عياض : على إثبات الواو يكون قوله : ربنا متعلقا بما قبله تقديره سمع الله لمن حمده يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا ولك الحمد اهـ .

وتقدم ما يرد عليه من الاعتراض ( يسمع الله لكم ) : قال ابن الملك : بكسر العين أي يقبله ، وكان مجزوما لجواب الأمر فحرك بالكسر ، قال أبو حنيفة ومالك ، وأحمد : يكتفي الإمام بقوله : سمع الله لمن حمده ؛ لأن القسمة بين الذكرين تقطع الشركة ، ( رواه مسلم ) : قال ميرك : وأبو داود ، والنسائي [ ص: 688 ]

827 - ( وفي رواية له ) ، أي : لمسلم ، قال ميرك : ولابن ماجه أيضا ( عن أبي هريرة ، وقتادة ) ، أي : وعن قتادة فيكون أثرا لا حديثا ، قال ميرك : ظاهر هذه العبارة يقتضي أن هذه الزيادة أخرجها مسلم من حديث أبي هريرة ، وليس كذلك ، بل يفهم من كلام مسلم أنه لم يخرج حديث أبي هريرة هذا أصلا ، فإن في كتابه بعد إيراد حديث أبي موسى أنه قيل لمسلم ، فحديث أبي هريرة فإذا قرأ فأنصتوا أصحيح هذا ؟ قال : نعم ، قيل : فلم لم تضعه هاهنا ؟ قال : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه ، وقال الإمام النووي في شرحه ، قال الحفاظ : جملة فإذا قرأ فأنصتوا ليست صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأطنب البيهقي في بطلانها ، وذكر عللها ، ونقل بطلانها عن يحيى بن معين ، وأبي حاتم الرازي ، وأبي داود ، وأبي علي النيسابوري وغيرهم ، ( وإذا قرأ فأنصتوا ) ، أي : اسكتوا ، قال أبو حنيفة : لا يقرأ المأموم ، وقال الشافعي : يعني عند قراءة الفاتحة ، وقال ابن حجر : هي محمولة على السورة اهـ ، وهو حمل بعيد مع عدم بيان مراده أنه إذا قرأ الإمام السورة فأنصتوا أو إذا قرأ الإمام فأنصتوا عن السورة ، وفيه من المفاهيم ما لا يصح على مقتضى مذهبه فتدبر وأنصف ولا تتكدر ، قال ابن الهمام قوله : وإذا قرأ فأنصتوا ، رواه مسلم زيادة في حديث : إذا كبر الإمام فكبروا ، وقد ضعفها أبو داود وغيره ، ولم يلتفت إلى ذلك بعد صحة طريقها وثقة رواتها ، وهذا هو الشاذ المقبول ومثل هذا هو الواقع في حديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة اهـ .

وقد بسط الكلام في شرح الهداية على هذا الحديث وطرقه ، فعليك به إن أردت البسط ، وستجيء هذه الزيادة حديثا مستقلا في الفصل الثاني ، رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .




الخدمات العلمية