الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
100 - وعن أبي موسى رضي الله عنه ، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، منهم الأحمر والأبيض ، والأسود وبين ذلك ، والسهل ، والحزن ، والخبيث ، والطيب ) رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود .

التالي السابق


100 - ( وعن أبي موسى ) قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله خلق آدم من قبضة : بالضم ويفتح ، ومن : ابتدائية متعلقة بخلق ، أو بيانية حال من آدم ( قبضها ) أي : أمر الملك بقبضها ، والقبضة بالضم ملء الكف ، وربما جاء بفتح القاف كذا في الصحاح ، وفي القاموس القبضة : وضمه أكثر ما قبضت عليه من شيء ، وفي النهاية القبض الأخذ بجميع الكف ، والقبضة المرة منه ، وبالضم الاسم منه ( من جميع الأرض ) : يعني : وجهها أي : من جميع ما قدر الله أن يسكنه بنو آدم من الأرض ، وليس مراده من جميع الأرض لأن من الأرض ما لا يصل إليه قدم آدمي ، والقابض من جميع الأرض هو عزرائيل - عليه الصلاة والسلام - ، فنسب الفعل إليه تعالى ؛ لأنه بأمره ، وإرادته ، ولما كان عزرائيل متولي القبضة ، ولي قبض الأرواح من أجسادها ليردوا وديعة الله التي قبضها من الأرض إليها كذا قاله زين العرب ، وفيه إشارة إلى آية ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) هذا ، وذكر السيوطي - رحمه الله - في الدر المنثور عن أبي هريرة قال : خلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة . قالوا : كيف خلقت قبل وهي من الأرض ؟ قال : كانت خشفة على الماء ، وهي بالخاء ، والشين المعجمتين ، والفاء أي : حجرة ، أو أكمة ، أو جزيرة عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة ، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها في وسط الأرض ، فلما أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض ، فلما هوى ليأخذ قالت الأرض : أسألك بالذي أرسلك أن لا تأخذ مني اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب غدا فتركها ، فلما رجع إلى ربه قال : ما منعك أن تأتي بما أمرتك ؟ قال : سألتني بك فعظمت أن أرد شيئا سألني بك ، فأرسل آخر فقال مثل ذلك ، حتى أرسلهم كلهم ، فأرسل ملك الموت فقالت له مثل ذلك . قال : إن الذي أرسلني أحق بالطاعة منك ، فأخذ من وجه الأرض كلها من طيبها ، وخبيثها حتى كانت قبضة عند موضع الكعبة ، فجاء به إلى ربه فصب عليه من ماء الجنة فجاء حمأ مسنونا فخلق منه آدم بيده . الحديث . ( فجاء بنو آدم على قدر الأرض ) أي : مبلغها من الألوان والطباع ( منهم الأحمر ، والأبيض ، والأسود ) : بحسب ترابهم ، وهذه الثلاثة هي أصول الألوان ، وما عداها مركب منها ، وهو المراد بقوله : ( وبين ذلك ) أي : بين الأحمر ، والأبيض ، والأسود باعتبار أجزاء أرضه ( والسهل ) أي : ومنهم السهل أي : اللين ( والحزن ) : بفتح الحاء ، وسكون الزاي أي : الغليظ ( والخبيث ) أي : خبيث الخصال ( والطيب ) : على طبع أرضهم ، وكل ذلك بتقدير الله تعالى لونا ، وطبعا ، وخلقا . قال الطيبي : ولما كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها ، وأولت الأربعة الأخيرة لأنها من الأخلاق الباطنة ، فإن المعني بالسهل الرفق واللين ، وبالحزن الخرق والعنف ، وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله ، بالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضر كله ، والذي سبق له الحديث هو الأمور الباطنة ؛ لأنها داخلة في حديث القدر بالخير والشر ، وأما الأمور الظاهرة من الألوان ، وإن كانت مقدرة فلا اعتبار لها فيه اهـ .

[ ص: 177 ] ويمكن أن يكون لها اعتبار إشارة إلى أن هذه الأوصاف والآثار بمنزلة هذه الألوان في كونها تحت الأقدار غايته أن الأوصاف قابلة للزيادة ، والنقصان بحسب الطاعة والإمكان لمجاهدة الإنسان بخلاف الألوان ، وإن نظرت إلى الحقيقة فلا تبديل ، ولا تغيير لخلق الله ، وهذا معنى قوله : جف القلم على علم الله . ( رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ) : وكذا الحاكم ، والبيهقي .




الخدمات العلمية