الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1162 - وعن عبد الله بن شقيق رضي الله عنه ، قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن تطوعه ، فقالت : كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ، ثم يدخل فيصلي ركعتين ، وكان يصلي بالناس المغرب ، ثم يدخل فيصلي ركعتين ، ثم يصلي بالناس العشاء ، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين ، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر ، وكان يصلي ليلا طويلا قائما ، وليلا طويلا قاعدا ، وكان إذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد ، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين . رواه مسلم . وزاد أبو داود : ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر .

التالي السابق


1162 - ( وعن عبد الله بن شقيق ) : تابعي ( قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : ليلا ونهارا ما عدا الفرائض . ولذا قال ( عن تطوعه ) : قال الطيبي : عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذا في صحيح مسلم ، وهذه العبارة ، يعني بلفظ ( عن ) أولى مما في المصابيح ، وهو قوله : من التطوع . اهـ . فتكون " من " بيانية والأولوية باعتبار الأصحية ، وإن كانت الرواية بالمعنى جائزة عند جمهور الأئمة ، سيما إذا لم يكن من لفظ النبوة . ( فقالت : كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ) : هذا دليل لمختار مذهبنا أن المؤكدة قبلها أربع ، ( ثم يخرج فيصلي بالناس . ثم يدخل فيصلي ركعتين ) : ولعل وجه ترك العصر ; لأنها بصدد السنن المؤكدة ( وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل ) ، أي : بيتي ( فيصلي ركعتين ، ثم يصلي بالناس العشاء ، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين ) : قال ابن الملك : فيه دليل على استحباب أداء السنة في البيت ، قيل : في زماننا إظهار السنة الراتبة أولى ليعلمها الناس . اهـ .

أي : ليعلموا علمها ، أو لئلا ينسبوه إلى البدعة ، ولا شك أن متابعة السنة أولى مع عدم الالتفات إلى غير المولى .

( وكان ) ، أي : أحيانا ( يصلي من الليل ) ، أي : بعض أوقاته وساعاته ( تسع ركعات ) : قال ابن حجر : أي تارة ، وإحدى عشرة تارة وأنقص تارة . اهـ .

وجاء في مسلم : ثلاث عشرة ، كما سيأتي ( فيهن ) ، أي : في جملتهن وعقبهن ( الوتر ) : قال ابن الملك : قيل : الوتر والتهجد سواء ، وقيل الوتر غير التهجد ، فإذا صلى أحد أكثر من ثلاث عشرة ركعة ، فهل جميعها وتر أم ركعة واحدة والباقي صلاة الليل ؟ فالمفهوم من الأحاديث الواردة في الوتر أن جميعها وتر ، وليس صلاة الليل غير الوتر إلا في حق من صلى الوتر قبل ثم نام وقام وصلى ، فإن ذلك حينئذ صلاة الليل . اهـ .

وهو خلاف المذهب ، فإن الوتر غير التهجد ; لأن الأول واجب منحصر في ثلاث ركعات بسلام واحد عندنا ، غير مقيد بوقت من آخر الليل أو أوله بشرط وقوعه بعد العشاء ، سواء بعد نوم أو قبله ، إلا أن الأفضل تأخيره إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه لقوله - عليه السلام - : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ، وأما الثاني : فسنة بالاتفاق وهو مقيد بآخر الليل مطلقا ، أو بنوم قبله ، أما الأحاديث فسيأتي بيانها مفصلا إن شاء الله تعالى . ( وكان يصلي ليلا طويلا ) ، أي : زمانا طويلا من الليل ( قائما وليلا طويلا قاعدا ) : قال في المفاتيح . : يعني يصلي صلاة كثيرة من القيام والقعود ، أو يصلي ركعات مطولة في بعض الليالي من القيام ، وفي بعضها من القعود . ( وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم ) ، أي : لا يقعد قبل الركوع . قاله ابن حجر ، وقال الطيبي ، أي : ينتقل من القيام إليهما ، وكذا التقدير في الذي بعده ، أي ينتقل إليهما من القعود . ( وكان إذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد ) ، أي : لا يقوم للركوع . كذا في المفاتيح .

قال الطحاوي : ذهب قوم إلى كراهة الركوع قائما لمن افتتح الصلاة قاعدا ، وخالفهم آخرون فلم يروا به بأسا . قلت : لأنه انتقال إلى الأفضل ، قال : وحجتهم ما روي بأسانيد عن عائشة ، أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن ، فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية ، أو أربعين آية ، ثم ركع " . ففي هذا الحديث أنه كان يركع قائما ، فهو أولى لأنه أثبت الركوع قائما ، ومن أثبت الركوع قاعدا لا ينفي هذا ; لأنه قد يفعل الركوع قاعدا في حال وقائما في حال ، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد رحمهم الله تعالى ( وكان إذا طلع الفجر ) ، أي : ظهر الصبح ( صلى ) وفي نسخة يصلي ( ركعتين ) ، أي : خفيفتين كما تقدم في سنن الصبح ( رواه مسلم ، وزاد أبو داود ) : قال ميرك : أشار بهذا إلى الاعتراض على الشيخ محيي السنة حيث أدرج هذه الجملة في حديث عائشة ، مع أنها لم تكن في واحد من الصحيحين . ( ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر ) ، أي : فرض الصبح .

[ ص: 892 ]



الخدمات العلمية