الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 956 ] 1282 - وعن نافع ، قال : كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما بمكة ، والسماء مغيمة ، فخشي الصبح ، فأوتر بواحدة ، ثم انكشف ، فرأى أن عليه ليلا ، فشفع بواحدة ، ثم صلى ركعتين ركعتين ، فلما خشي الصبح أوتر بواحدة . رواه مالك .

التالي السابق


1282 - ( وعن نافع قال : كنت مع ابن عمر بمكة ، والسماء مغيمة ) : كذا في النسخ المصححة بضم الميم الأولى وكسر الثانية ، وقيل بفتحها ، وفي نسخة ( مغيمة ) بكسر الياء المشددة ، وقيل : بفتحها ، وفي نسخة بضم الميم وكسر الياء مغيمة ، وقيل بكسر الغين ، وفي نسخة ( مغماة ) مشددة ومخففة ، وفي نسخة كمرضية ومآل الكل إلى معنى واحد ، قال الطيبي ، أي مغطاة بالغيم ، وفي نهاية الجزري يقال : أغمى علينا الهلال وغمى فهو مغمى ، ومغمى إذ حال دون رؤيته غيم ، يقال : غامت السماء وأغامت وتغميت كله بمعنى اهـ . زاد في الصحاح والقاموس : وأغيمت وتغيمت تغيما ، وقال ابن حجر : يقال : غيمت الشيء إذا غطيته وأغمى وغمى وغمى بتشديد الميم وتخفيفها الكل بمعنى اهـ .

وفي التاج : التغييم والإغامة الدخول في الغيم ، والإغماء وتستر الشيء على الشخص ، ويعدى بعلى ، والتغمية التغطية ، قال شجاع : أقول : فعلى هذه الأقوال يجوز لغة ( مغيمة ) بكسر الياء والتشديد من التفعيل من الأجوف ، ( ومغمية ) من الناقص الثلاثي على وزن مرمية ، ومغماة اسم مفعول من التغمية أو الإغماء ، ولا يظهر وجه رواية ( مغمية ) بفتح الميم الثانية اهـ . لأن فتحها يستدعي قلب ما بعدها ألفا كما هو مقرر في محله . ( فخشي الصبح ، فأوتر بواحدة ) ، أي : بضمها إلى ما قبلها ( ثم انكشف ) ، أي : ارتفع الغيم في أثناء صلاته ( فرأى أن عليه ليلا ) ، أي : باق عليه ( فشفع بواحدة ) : لتصير صلاته شفعا لقوله - عليه الصلاة والسلام : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ، ولا دليل في الحديث على خروجه من الصلاة ، فيلزم عليه تكرار الوتر المنهي بقوله - عليه الصلاة والسلام : " لا وتران في ليلة " . حسنه الترمذي ، وقد غفل ابن حجر عما حملنا عليه الحديث فقال : وأبى أكثر أصحابنا ذلك ، وعملوا بكل من الحديثين ، فقالوا : يسن أن لا يعيد الوتر عملا بالحديث الثاني ، وأما نقض الوتر بالكيفية المذكورة فهو خارج عن قضية كل من الحديثين ، فيحتاج إلى دليل يخصه ، وفعل ابن عمر له ليس بحجة عندنا ; لأنه لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من اجتهاده وهو ليس حجة على غيره .

قلت : هو حجة عندنا ، قال ابن الهمام : أوتر قبل النوم ، ثم قام من الليل فصلى لا يوتر ثانيا لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا وتران في ليلة " ، ولزمه ترك المستحب المفاد بقوله - عليه الصلاة والسلام : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ; لأنه لا يمكن شفع الأول لامتناع التنفل بركعة أو ثلاث . ( ثم صلى ركعتين ركعتين ، فلما خشي الصبح أوتر بواحدة ) : كما قدمنا ، أو كان مذهبه الإيتار بواحدة ، ولذا قيل في حقه : إن عمر أفقه منه كما سبق . ( رواه مالك ) .




الخدمات العلمية