الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1289 - وعن عاصم الأحول رضي الله عنه ، قال : سألت أنس بن مالك عن القنوت في الصلاة ، كان قبل الركوع أو بعده ؟ قال : قبله ، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا ، إنه كان بعث أناسا يقال لهم : القراء ، سبعون رجلا ، فأصيبوا ، فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا يدعو عليهم " . متفق عليه .

التالي السابق


1289 - ( وعن عاصم بن الأحول ) : تابعي مشهور ( قال : سألت أنس بن مالك عن القنوت في الصلاة ) ، أي : في صلاة الصبح أو الوتر أو في الصلاة عند النازلة ( كان قبل الركوع أو بعده ؟ قال : قبله ) ، أي : كان القنوت قبل الركوع ، وهو دليل لأبي حنيفة ومالك ، قال ابن حجر : مر أنه صح قبله وبعده في الصبح وغيرها وإن رواه بعدد أكثر ، قلت : قد تقدم أن لا عبرة بالأكثر ، وفي هذا الحديث ما يدل على أن البعدية منسوخة حيث قال أنس : ( إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع ) ، أي : في صلاة الصبح أو مطلقا ( شهرا ) ، أي : فقط ( إنه ) بالكسر استئناف مبين للتعليل للتحديد بالشهر ، وفي نسخة بالفتح ( كان بعث ) ، أي : أرسل ( أناسا ) ، أي : جماعة ( يقال لهم : القراء ) : لكثرة قراءتهم وحفظهم للقرآن ( إلى أحياء من العرب ) : لتعليم القرآن وأحكام الإيمان ( سبعون ) ، أي : هم سبعون ( رجلا ) : من أهل الصفة يقيمون فيها ويتعلمون القرآن والعلم ، ومع ذلك كانوا أرداء للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة لوصولهم غاية بالغة من الشجاعة ، وكانوا يحتطبون بالنهار ويشترون به الطعام لأهل الصفة ، وهم قوم غرباء فقراء زهاد كانوا يأوون في صفة آخر مسجده - عليه الصلاة والسلام - بظلل يبيتون فيها يكثرون بمن يقدم ويقلون بمن يموت ، أو يسافر أو يتزوج ، والمفهوم من كلام ابن حجر أنهم ما يزيدون على السبعين ، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجد ليدعوهم إلى الإسلام ويقرأوا عليهم القرآن ، فلما نزلوا بئر معونة وهي [ ص: 960 ] موضع ببلاد هذيل بين مكة وعسفان ، فصدهم عامر بن الطفيل في أحياء من بني سليم عصية ورعل وذكوان والقارة فقاتلوهم ، ( فأصيبوا ) ، أي : قتلوا جميعا ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد الأنصاري فإنه تخلص وبه رمق ، وظنوا أنه مات فعاش حتى استشهد يوم الخندق ، ومنهم عامر بن فهيرة ولم يوجد جسده دفنته الملائكة ، وكانت الواقعة في السنة الرابعة من الهجرة ، فحزن عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا .

قال أنس : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد عليهم . ( فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا يدعو عليهم ) ، أي : على قاتليهم ، وفي رواية : لهم ، أي : لهدايتهم ، أو هي بمعنى عليهم يعني ثم لم يقنت بعد ذلك في الصبح أبدا أو مطلقا بعد الركوع . ( متفق عليه ) : وفي رواية لهما : ثم تركه ، أي ترك القنوت مطلقا ، أو ترك القنوت بعد الركوع ، أو ترك الدعاء عليهم .

قال ابن حجر : وقع في صحيح مسلم ، عن أنس أيضا : دعا - عليه الصلاة والسلام - على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله ، وأعترض على ذكر لحيان هنا فإنه يوهم أنهم ممن أصاب القراء يومئذ ، وليس كذلك ، وإنما الذي أصابهم لحيان بعث الرجيع ، وإنما أتى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم كلهم في وقت واحد ، فدعا على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين دعاء واحدا ، وسبب هذا البعث أن قوما من عضل والقارة طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل معهم من يفقههم ، فبعث معهم ستة من أصحابه ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت ، فخرجوا حتى أتوا على الرجيع - ماء لهذيل بالهراة بين عسفان ومكة - فأتاهم بنو لحيان - بطن من هذيل - فقتلوا عاصما ; لأنه لم ينزل على دارهم ، وأسروا خبيبا ، وزيد بن الدثنة ، فباعوهم بمكة . وترجمة البخاري توهم أيضا أن بعث الرجيع وبئر معونة شيء واحد ، وليس كذلك كما تقرر ، وإنما أدمجهما معا لقربها منها ، بل جاء في رواية أن كلا منهما كان في شهر واحد ، وهو صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة .

الفصل الثاني

الفصل الثاني




الخدمات العلمية