الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1842 - وعن حكيم بن حزام قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم قال لي : " يا حكيم إن هذا المال خضر حلو ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى " ، قال حكيم : فقلت : يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا ، متفق عليه .

التالي السابق


1842 - ( وعن حكيم بن حزام ) بكسر الحاء بعده زاي ( قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي شيئا ( فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال لي ) أي بعد السؤال الثالث ، أو بعد ما فني المال ، أو من غير سؤال " يا حكيم إن هذا المال " أي المال الذي بأيدي الناس أو جنسه أو نوعه الحاصل من غير كد وتعب " خضر " بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي طري ناعم مرغوب فيه غاية الرغبة " حلو " أي لذيذ عند النفس تميل إليه بالطبع غاية الميل ، وقيل : الخضر في العين طيب والحلو يكون في الفم طيبا إذ لا تمل العين من النظر إلى الخضر بل يقوى النظر إليه قوة البصر ، ولا يمل الفم من أكل الحلو ، وكذلك النفس حريصة بجمع المال لا تمل عنه ، فقيل : إنه تشبيه بليغ من حيث زهرتها وبهجتها وبهاؤها ثم سرعة فنائها ما في الأموال من زيادة عنائها وخسة شركائها " فمن أخذه " أي المال أخذا ملتبسا " بسخاوة نفس " أي من الأخذ يعني بلا سؤال ولا إشراف ولا طمع أو بسخاوة نفس وانشراح صدر من المعطي " بورك له فيه " لأنه ناظر في أخذه إلى ربه ممتثل لأمره قائم لشكره متقو به على طاعته لا حظ له في قبوله إلا رضا الله ورسوله ، كما يشير إليه قوله - تعالى - ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ويحمل على هذا الحال حديث نعم المال الصالح للرجل الصالح ، وخبر : ذهب أهل الدثور بالأجور " ومن أخذه بإشراف نفس " يحتمل الوجهين أي بطمع أو حرص أو تطلع " لم يبارك له فيه " قيل : الإشراف النظر إلى شيء يرى بكراهيته من غير طيب نفس بالإعطاء ، وقال ابن الملك : أي نفس المعطي واختياره من غير تعريض من السائل بحيث لو لم يعطه لتركه ولم يسأله أو المراد نفس السائل بأن يكون ذلك كناية عن عدم الإعطاء أو عن إنفاق الصدقة وعدم إمساكها " وكان " أي السائل الآخذ الصدقة في هذه الصورة لما يسلط عليه من عدم البركة وكثرة الشره والنهمة " كالذي يأكل ولا يشبع " أي كذي آفة يزداد سقما بالأكل وهو معبر عنه بجوع البقر وفي معناه مرض الاستسقاء " واليد العليا " أي المعطية أو المتعففة " خير من اليد السفلى " وهي الآخذة أو السائلة وقيل السفلى المانعة ( قال حكيم ) أي بعد ما سمع في السؤال من نقص الحال وعدم بركة المال في المال ( فقلت : يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ ) بسكون الراء قبل الزاي أي لا أنقص " أحدا " أي مال أحد بالسؤال عنه والأخذ منه ( بعدك ) أي بعد سؤالك هذا أو بعد قولك هذا شيئا ؛ مفعول ثان لأرزأ بمعنى أنقص ( حتى أفارق الدنيا ) أي إلى أن أموت ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية