الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2427 - وعن عبد الله بن بسر قال : نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي فقربنا إليه طعاما ووطبة ، فأكل منها ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين أصبعيه ويجمع السبابة والوسطى ، وفي رواية فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه السبابة والوسطى ، ثم أتي بشراب فشربه ، فقال أبي وأخذ بلجام دابته : ادع الله لنا فقال : اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم ) . ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


2427 - ( وعن عبد الله بن بسر ) بضم الموحدة وإسكان السين ( قال : نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : ضيفا ( على أبي ) أي : والدي ( فقربنا إليه طعاما ووطبة ) بواوين وطاء ساكنة فموحدة في جميع نسخ المشكاة المصححة ، وفي المصابيح بلا عاطفة ، قال شارح : الوطبة بالباء المنقوطة من تحت بنقطة وهي سقاء اللبن من الجلد ، والمحققون على أنها تصحيف وإنما هي وطيئة على وزن وثيقة وهي طعام كالحيس سمي به لأنه يوطأ باليد أي : يمرس ، ويدلك على صحة ذلك قول الراوي : فأكل منها ، والوطبة لا يؤكل منها بل يشرب ، وكذا قوله أتي بشراب فهي صفة طعام وروي بواوين فعلى هذا يحمل الطعام على الخبز ، وفي شرح الطيبي قال النووي : الوطبة بالواو وإسكان الطاء وبعدها باء موحدة وهو الحيس بجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن ، وقال الحميدي هو براء مضمومة وطاء مفتوحة في أكثر نسخ مسلم وهو تصحيف من الراوي ، وإنما هو بالواو ، وقول ابن حجر : رواه أكثرون بواو فطاء ساكنة فموحدة وآخرون براء مضمومة وطاء مفتوحة ورد بأنه تصحيف ، والذي في أكثر نسخ مسلم هو الأول - غلط لما عرفت من كلام الحميدي ، ونقل القاضي عياض وطئة : بفتح الواو وكسر الطاء بعدها همزة ، وادعى أنه الصحيح ، وقال هي طعام يتخذ من التمر كالحيس ، وقيل سقاء اللبن ، ورد بأنه يشرب إلا أن يقال غلب الأكل على الشرب ، وإن قوله ثم أتي بشراب يرده إلا أن يراد به الماء ، وفي مختصر النهاية : الوطئة بالهمزة الغرارة يكون فيها الكعك والقديد وغيرها وطعام يتخذ من التمر كالحيس وروي بالموحدة ، وقيل : هو تصحيف والوطب الذي يكون فيه السمن واللبن اهـ وفي القاموس : الوطيئة بالهمز كسفينة تمر يخرج نواه ويعجن بلبن والغرارة فيها القديد والكعك ، فالأظهر أن المراد بالطعام الخبز وبالوطئة وعاء فيه بعض الإدام وبه يلتئم اختلاف المقام ( فأكل منها ) أي : من الوطبة ، وكان الظاهر أن يقال منهما أو منه بتأويل المذكور فهو من قبيل ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ) في رجع الضمير إلى أقرب ما ذكر وترك الآخر للوضوح فهو من باب الاكتفاء ( ثم أتي ) أي : جيء ( بتمر فكان يأكله ويلقي ) بضم أوله ( النوى ) جنس النواة ( بين أصبعيه ) بتثليث الهمزة والموحدة ففيه تسع لغات والأشهر كسر الهمزة وفتح الباء ( ويجمع السبابة ) أي : المسبحة ( والوسطى ، وفي رواية فجعل يلقي النوى على ظهر إصبعيه السبابة والوسطى ) بالجر بدل أو بيان ، ويجوز الرفع والنصب ، وقول ابن حجر : هذه الرواية مبينة للمراد من الأولى - مردود بأن تلك تدل على أن الوضع بين إصبعيه وهذه تشير إلى أنه على ظهرها فالأولى أن يجمع بينهما بأنه تارة كذا وتارة كذا ، نعم الثانية توميء إلى أن الصورتين محمولتان على الظهر ، مع أنه معلوم من الأدب الباعث على عدم تلوث باطن اليد فإنه أحق بالنظافة من ظاهرها ، والمراد أصابع اليد اليسرى ، وأما قول ابن حجر : وحكمة ذلك تعليم أمته أدب أكل التمر ونحوه بأن يلقى على هذه الكيفية حتى لا يمسه باطن الأصابع فتعاف النفس عودها إلى الطعام لما فيها من أثر الريق - فغفلة عن أدب الأكل أنه باليمين دون اليسار ( ثم أتي بشراب ) أي : ماء أو ما يقوم مقامه ( فشربه ، فقال أبي وأخذ ) أي : وقد أخذ ( بلجام دابته ) جملة حالية معترضة بين القول والمقول ، وأخذ منه أنه يسن أخذ ركاب الأكابر ولجامه والضيف تواضعا واستمالة ، وكذا يسن تشييعه إلى الباب المأخوذ من أخذ اللجام والركاب ( ادع الله لنا ) وليس طلب الدعاء لمقابلة الإحسان إليه - صلى الله عليه وسلم - فإن هذا لا يظن بالصحابة أصحاب الكرم والمروءة ، وإنما هو من باب طلب اللطف ونظر المرحمة الشاملة للخاصة والعامة ، كما يدل عليه أنه طلب الدعاء عند ركوبه لا عند فراغه من أكله ، وأما قول ابن حجر : لا ينافيه أنه يسن لمن تصدق على فقير أن لا يطلب منه الدعاء لئلا تكون صدقته في مقابلة الدعاء فيفوت الإخلاص لأن الضيافة آكد من الصدقة لقول كثيرين بوجوبها فلا يتخيل أنها في مقابلة الدعاء - فمردود من وجوه منها أنه يسن إذا دعا الفقير للمتصدق كما هو من الأداب يرده المتصدق ليكون الدعاء في مقابلة الدعاء ويتخلص له ثواب الصدقة ، وأما أنه يسن عدم طلب الدعاء فمحتاج إلى دليل ومنها أنه إذا كان طلب الدعاء يفوت الإخلاص الكامل فلا فرق بين الصدقة والضيافة ، مع أن [ ص: 1686 ] كلا منهما يشمل النافلة والواجبة في الاحتياج إلى كمال الإخلاص ، ومنها أن كون ما نحن فيه من الضيافة الواجبة غير معلوم من الحديث ، ومنها أن النفل قد يتخيل في مقابلة الدعاء بخلاف الواجب ، ولذا قيل الفرض لا يدخل فيه الرياء ، ومنها أن العلماء جعلوا هذا الدعاء سنة لمن أكل من طعام الغير أعم من أن يطلبه أو لا يطلبه فبطل قوله : إن من هذا يؤخذ أن المضيف إذا سأل من الضيف أن يدعو له سن للضيف أن يدعو له ; لأن مفهومه أنه إذا لم يسأله لا يسأله لا يسن له ، وأقول : الأولى أن يقال للمضيف أن يسأل الدعاء من الضيف لفعل الصحابة وتقريره - عليه الصلاة والسلام - عليه والله تعالى أعلم ، ومنها أن طلب الدعاء من الأنبياء والأولياء مطلوب فما الباعث على هذا الغرض المذموم وأمثالهما ( فقال : اللهم بارك لهم فيما رزقتهم ) وعلامة البركة القناعة وتوفيق الطاعة ( واغفر لهم ) أي : ذنوبهم ( وارحمهم ) بالتفضل عليهم بالواو فيهما ، قال الشيخ الجزري - رحمه الله - : والذي رويناه في جميع أصول مسلم فاغفر لهم بالفاء وكذلك فارحمهم في أكثرها ، وليس رواية فجعل يلقي النوى على ظهر إصبعيه في صحيح مسلم بل هي في سنن أبي داود ( رواه مسلم ) وكذا الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة على ما ذكره في الحصن ولفظه : " فاغفر لهم وارحمهم " بالفاء في الأول وبالواو في الثاني .




الخدمات العلمية