الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2680 - وعن يعلى بن أمية - رضي الله عنهما - قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة ، إذ جاءه رجل أعرابي عليه جبة ، وهو متضمخ بالخلوق ، فقال : يا رسول الله ، إني أحرمت بالعمرة ، وهذه علي . فقال : " أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك " . متفق عليه .

التالي السابق


2680 - ( وعن يعلى بن أمية قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة ) : بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء على الصحيح ، موضع معروف من حدود الحرم ، أحرم منه النبي - صلى الله عليه وسلم - للعمرة ، وهو أفضل من التنعيم عند الشافعية خلافا لأبي حنيفة - رحمه الله ، بناء على أن الدليل القولي أقوى عنده ، لأن القول لا يصدر إلا عن قصده ، والفعل يحتمل أن يكون اتفاقيا لا قصديا ، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - أن تعتمر من التنعيم ، وهو أقرب المواضع من الحرم . ( إذ جاءه رجل أعرابي ) : منسوب إلى الأعراب ، وهم سكان البادية ، أي بدوي ( عليه جبة ) : ثوب معروف ومنه قولهم : جبة البرد ، جنة البرد . ( وهو ) : أي الرجل ( متمضح بالخلوق ) بفتح الخاء المعجمة ، نوع من الطيب يتخذ من الزعفران وغيره حتى كاد يتقاطر الطيب من بدنه ، ( فقال : يا رسول الله ، إني أحرمت بالعمرة وهذه ) : أي : الجبة ( علي . فقال : " أما الطيب الذي بك ) : أي : لصق ببدنك من الجبة ( فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ) : بكسر الزاي أي : اقلعها فورا وأخرجها ، ذكر الثلاث إنما هو لتوقف إزالة الخلوق عليها غالبا ، وإلا فالواجب إزالة العين بأي وجه كان ، وأغرب ابن حجر في قوله : يؤخذ منه أن من تطيب أو لبس جاهلا فدية عليه ، إذ لا دلالة عليه لا نفيا ولا إثباتا ، وإنما يفهم من دليل آخر فتدبر ، ثم في قوله - عليه الصلاة والسلام : " فانزعها " رد لقول الشعبي أن من أحرم في قميص أو جبة مزق عليه ، وأما اعتذار ابن حجر - رحمه الله - بأنه إنما قال ذلك في المتعمد لتعديه ، والذي في الخبر في جاهل معذور فلا يصح ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ( ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك ) وفي نسخة بالتاء أي اجتنب في العمرة ما تجتنب منه في الحج ، أو افعل الطواف والسعي والحلق ، وبالجملة الأفعال المشتركة بين الحج والعمرة على الوجه الذي تفعلها في الحج ، وفي الحديث إشعار بأن الرجل كان عالما بصفة الحج دون العمرة ، كما ذكره الطيبي - رحمه الله - والظاهر هو الأول من القولين والمراد بالتشبيه زيادة الإفادة ، وأن يجتنب في إحرام الحج ما يجتنب في العمرة ، لأن التشبيه قد يكون لمجرد الاشتراك من غير أن يكون المشبه به أقوى إذا كان معلوما عند المخاطب ، ومنه عبارة بعضهم : يغسل فمه بمياه كأنفه ( متفق عليه ) وأما الاكتحال بما ليس فيه طيب ; فإن كان للزينة فمكروه ومنعه أحمد وإسحاق ، وفي مذهب مالك قولان ، ثم اعلم أن محرمات الإحرام إذا ارتكبت عمدا يجب فيها الفدية إجماعا ، وإن كان ناسيا فلا يلزمه عند الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق - رحمهم الله - وأوجبها أبو حنيفة ومالك - رحمهم الله - ومن تبعهما .

[ ص: 1849 ]



الخدمات العلمية