الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3275 - وعن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر عمر لرسول الله - صلى عليه وسلم - فتغيظ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : ليراجعها ثم يمسكها ، ثم تحيض فتطهر ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء . وفي رواية : مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا . متفق عليه .

التالي السابق


3275 - ( وعن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأة له وهي حائض ) : الجملة حالية أي طلقها في حال حيضها ( فذكر عمر - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : أي : ما وقع منه ( فتغيظ فيه ) : أي : غضب في شأنه ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : وفيه دليل على حرمة الطلاق في الحيض لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يغضب بغير حرام ( ثم قال : ليراجعها ) : أي : ليقل راجعتها إلى نكاحي مثلا لتدارك المعصية ، وفيه دليل على وقوع الطلاق مع كونه حراما وعلى استحباب المراجعة ( ثم يمسكها حتى تطهر ) : قال ابن الهمام : وظهر من لفظ الحديث حيث قال " يمسكها حتى تطهر " أن استحباب الرجعة أو إيجابها مقيد بذلك الحيض الذي أوقع فيه وهو المفهوم من كلام الأصحاب إذا تؤمل ، فعلى هذا إذا لم يفعل حتى طهرت تقررت المعصية ( ثم تحيض فتطهر ) : قال النووي : فإن قيل ما فائدة التأخير إلى الطهر الثاني فالجواب من أوجه : أحدها لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق فوجب أن يمسكها زمانا كان يحل له طلاقها ، وإنما أمسكها لمظهر فائدة في الرجعة وهنا جواب أصحابنا ، الثاني : أنه عقوبة له وتوبة من معصية باستدراك جنايته ، والثالث : أن الطهر الأول مع الحيض الذي طلق فيه كما مر واحد ، فلو طلقها في أول طهر كان كمن طلقها في حيض ، والرابع : أنه نهى عن طلاقها في الطهر ليطول مقامه معها فلعله يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها ، اهـ . والأخير هو الأولى لكن الأظهر أن يقال أمر بإمساكها في الطهر . . . . إلخ ، في الهداية : وإذا طهرت وحاضت ثم طهرت فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها ، قال ابن الهمام : هذا لفظ القدوري وهكذا ذكر في الأصل ، ولفظ محمد - رحمه الله - تعالى : فإذا طهرت في حيضة أخرى راجعها ، وذكر النووي أن له أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلقها وراجعها فيها ، قال الشيخ أبو الحسن الكرخي : ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة - رحمه الله - وما ذكره في الأصل قولهما والظاهر أن ما في الأصل قول الكل ؛ لأنه موضوع لإثبات منصب أبي حنيفة - رحمه الله - إلا أن يحكي الخلاف ولم يحك خلافا فيه ؛ فلذا قال في الكافي : إنه ظاهر الرواية عن أبي حنيفة ، وبه قال الشافعي في المشهور ومالك وأحمد ، وما ذكره الطحاوي رواية عن أبي حنيفة وهو وجه للشافعية ، وجه المذكور في الأصل وهو ظاهر المذهب لأبي حنيفة من السنة ما في الصحيحين من قوله - عليه الصلاة والسلام - " لعمر مره فليراجعها ثم ليمسكها " الحديث ، وفي لفظ " حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها ووجد ما ذكره الطحاوي من رواية سالم في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا . رواه مسلم وأصحاب السنن ، والأولى أولى ؛ لأنها أكثر تفسيرا بالنسبة إلى هذه الرواية وأقوى صحة ( فإن بدا ) : بالألف أي ظهر به ( أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها ) : أي : يجامعها ، فيه إشارة إلى قوله - تعالى - جل شأنه ( فطلقوهن لعدتهن ) ( فتلك العدة ) المشار إليها عندنا حالة الحيض وعند الشافعية حالة الطهر ( التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) : قيل : اللام في : لها ، بمعنى : في فتكون حجة لما ذهب إليه الشافعي من أن العدة بالأطهار ، إذ لو كانت بالحيض يلزم أن يكون الطلاق مأمورا به فيه ، وليس كذلك ، وأجيب بأنا لا نسلم أن اللام هنا بمعنى في بل للعاقبة كما في قوله تعالى ( فطلقوهن لعدتهن ) وفي رواية " مره " : الخطاب لعمر ، والضمير لابنه ( فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ) : قال النووي : فيه دليل على أن الرجعة لا تفتقر إلى رضا المرأة ولا ولدها ، قلت : وجه الدلالة خفي كما لا يخفى والأظهر الاستدلال بقوله تعالى ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ) قال الطيبي : دل على اجتماع الحيض والحبل ، وقيل الحامل إذا كانت حائضة حل طلاقها إذ لا تطويل للعدة في حقها ؛ لأن عدتها بوضع الحمل ، اهـ . وعندنا أن الحامل لا تحيض وما رأته من الدم فهو استحاضة ثم اعلم أن الأحسن أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ولا في الحيض الذي قبله ولم يطلقها ، والأحسن أن يطلق المدخول بها ثلاثا في ثلاثة أطهار ، وقال مالك : هذه بدعة ولا يباح إلا واحدة فإن الأصل في الطلاق هو الحظر والإباحة لحاجة الخلاص وقد اندفعت ، ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الدارقطني ، عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بطلقتين أخيرتين عند القرائن ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله قد أخطأت السنة ، السنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء فأمرني فراجعتها ، فقال : إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك فقلت : يا رسول الله لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها فقال : لا كانت تبين منك وكان معصية . كذا ذكره ابن الهمام . ( متفق عليه ) .

[ ص: 2135 ]



الخدمات العلمية