الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3282 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ، ولا عتق فيما لا يملك ، ولا طلاق فيما لا يملك . رواه الترمذي ، وزاد أبو داود " ولا بيع إلا فيما يملك " .

التالي السابق


3282 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول - الله صلى الله عليه وسلم - : لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ) : أي : لا صحة له ، فلو قال لله علي أن أعتق هذا العبد ، ولم يكن ملكه وقت النذر ، لم يصح النذر فلو ملكه بعد هذا لم يعتق عليه ، كذا ذكره بعض الشراح من علمائنا ( ولا عتق فيما لا يملك ، ولا طلاق فيما لا يملك . رواه الترمذي ) : وزاد أبو داود " ولا بيع إلا فيما يملك " ، وفي شرح ابن الهمام : قال : الترمذي حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب ، وهو تمسك الشافعي ، وبه قال أحمد وهو منقول عن علي وابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم - ، ومذهبنا : أنه إذا أضاف الطلاق إلى سببية الملك صح كما إذا قال لأجنبية إن نكحتك فأنت طالق فإذا وقع النكاح وقع الطلاق ، وكذا إذا أضاف العتق إلى الملك نحو إن ملكت عبدا فهو حر ; لأن هذا تعليق لما يصح تعليقه ، وهو الطلاق كالعتق والوكالة والإبراء . وقال مالك : إن خص بلدا أو قبيلة أو صنفا أو امرأة صح وإن عمم مطلقا لا يجوز إذ فيه سد باب النكاح ، وبه قال ربيعة والأوزاعي وابن أبي ليلى ، وعندنا لا فرق بين العموم وذلك الخصوص إلا أن صحته في العموم مطلق ، يعني لا فرق بين أن يعلق بأداة الشرط أو بمعناه ، وفي المعينة يشترط أن يكون بصريح الشرط ، فلو قال : هذه المرأة التي أتزوجها طالق ، فتزوجها لم تطلق ; لأنه عرفها بالإشارة فلا تؤثر فيها الصفة ، أعني أتزوجها ، بل الصفة فيها لغو فكأنه قال : هذه طلاق ، بخلاف قوله إن تزوجت هذه ، فإنه يصح ولا بد من التصريح بالسبب ، في المحيط : لو قال : كل امرأة أجتمع معها في فراشي فهي طالق ، فتزوج امرأة ، لا تطلق ، وكذا كل جارية أطؤها حرة ، فاشترى جارية ، فوطئها ، لا تعتق ، لأن العتق لم يضف إلى الملك ، ومذهبنا عن عمر وابن مسعود ، وابن عمر ، والجواب عن الأحاديث المذكورة أنها محمولة على نفي التنجيز لأنه هو الطلاق أما المتعلق به فليس به ، بل عرضية أن يصير طلاقا وذلك عند الشرط ، والحمل مأثور عن السلف كالشعبي والزهري قال عبد الرزاق في مصنفه أنا معمر ، عن الزهري أنه قال في رجل قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق وكل أمة أشتريها فهي حرة : هو كما قال ، فقال له معمر أوليس قد جاء لا طلاق قبل النكاح ولا عتق إلا بعد ملك ؟ قال : إنما ذلك أن يقول : امرأة فلان طالق ، وعبد [ ص: 2139 ] فلان حر ، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن سالم بن محمد ، وعمر بن عبد العزيز ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، والأسود ، وأبي بكر بن عمر ، وابن حزم ، وعبد الله بن عبد الرحمن ، ومكحول الشامي ، في رجل قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق قالوا : هو كما قال ، وفي لفظ " يجوز عليه ذلك " وقد نقل مذهبنا أيضا عن سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وحماد بن أبي سليمان ، وشريح ، رحمهم الله أجمعين ، وأما ما أخرج الدارقطني عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن رجل قال : يوم أتزوج فلانة فهي طالق ثلاثا ، قال : طلق ما لا يملك ، وما أخرج أيضا عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : قال عمر لي اعمل لي عملا حتى أزوجك ابنتي ، فقلت : إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا ، ثم بدا لي أن أتزوجها ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته فقال لي : تزوجها فإنه لا طلاق إلا بعد النكاح ، قال فتزوجتها فولدت لي سعدا وسعيدا . فلا شك في ضعفها ، قال صاحب تنقيح التحقيق : إنهما باطلان ففي الأول أبو خالد الواسطي ، وهو عمر بن خالد ، قال : وضاع ، وقال أحمد ، وابن معين : كذاب ، وفي الأخير علي بن قرين ، كذبه ابن معين وغيره ، وقال ابن عدي : يسرق الحديث ، بل ضعف أحمد وأبو بكر بن العربي القاضي شيخ السهيلي جميع الأحاديث ، وقال : ليس لها أصل في الصحة ، وكذا ما عمل بها مالك وربيعة والأوزاعي ، فما قيل لم يرد ما يعارضها حتى يترك العمل بها ساقط ، لأن الترجيح فرع صحة الدليل أولا ، كيف ومع تقدير الصحة لا دلالة على نفي تعليقه ، بل على نفي تنجيزه ، فإن قيل : لا معنى لحمله على التنجيز ; لأنه ظاهر يعرفه كل أحد ، فوجب حمله على التعليق ، فالجواب صار ظاهرا بعد اشتهار حكم الشرع فيه لا قبله ، فقد كانوا في الجاهلية يطلقون قبل التزوج تنجيزا ، ويعدون ذلك طلاقا إذا وجد النكاح ، فنفى ذلك - صلى الله عليه وسلم - في الشرع ، ومما يؤيد ذلك ما في موطأ مالك أن سعيد بن عمر بن سليم الزرقي سأل القاسم بن محمد عن رجل طلق امرأته إن هو تزوجها ، فقال القاسم إن رجلا جعل امرأته عليه كظهر أمه إن هو تزوجها فأمر عمر إن هو تزوجها أن لا يقربها حتى يكفر كفارة المظاهر فقد صرح عمر - رضي الله عنه - بصحة تعليق الظهار بالملك ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا والكل واحد والخلاف فيه أيضا ، وكذا في الإيلاء إذا قال : إن تزوجتك فوالله لا أقربك أربعة أشهر يصح فمن تزوجها يصير موليا .




الخدمات العلمية