الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3356 - وعن أم سلمة رضي الله عنها ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في مرضه : الصلاة ، وما ملكت أيمانكم " . رواه البيهقي في شعب الإيمان .

التالي السابق


3356 - ( وعن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في مرضه : " الصلاة " ) بالنصب على تقدير فعل أي الزموا الصلاة أو أقيموا أو احفظوا الصلاة بالمواظبة عليها والمداومة على حقوقها ( وما ملكت أيمانكم ) : بحسن الملكة والقيام بما يحتاجون إليه ، وقال بعضهم : أراد حقوق الزكاة وإخراجها من الأموال التي تملكها الأيدي كأنه عليه السلام علم بما يكون من أهل الردة وإنكارهم وجوب الزكاة ، وامتناعهم عن أدائها إلى القائم بعده فقطع حجتهم بأن جعل آخر كلامه الوصية بالصلاة والزكاة فقرنهما ، والظاهر هو الأول ، وإنما قرن بين الوصية بالصلاة والوصية بالأرقاء إعلاما بأنه لا سعة في ترك حقوقهم من نفقة وكسوة وغير ذلك مما يجب أن يعلموهم من أمر دينهم كما لا سعة في ترك الصلاة ، كذا نقله ميرك عن التصحيح للجزري ، زاد في النهاية : فعقل أبو بكر - رضي الله عنه - هذا المعنى أي المعنى الثاني ، وقال : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة . قال المظهر : وإنما قال أراد به الزكاة ; لأن القرآن والحديث إذا ذكر فيهما الصلاة فالغالب أن تذكر الزكاة . قال [ ص: 2199 ] القاضي رحمه الله : وفي حذف الفعل وهو إما احفظوا أي احفظوها بالمواظبة عليها ، وما ملكت أيمانكم بحسن الملكية والقيام بما يحتاجون إليه من الكسوة والطعام ، أو احذروا أي احذروا تضييعها ، وخافوا ما رتب عليه من العذاب تفخيما لأمره وتعظيما لشأنه . قال التوربشتي : الأمر أنه أراد بما ملكت أيمانكم المماليك ، وإنما قرنه بالصلاة ليعلم أن القيام بمقدار حاجتهم من الكسوة والطعام واجب على من ملكهم وجوب الصلاة التي لا سعة في تركها ، وقد ضم بعض العلماء البهائم المستملكة في هذا الحكم إلى المماليك وإضافة الملك إلى اليمين كإضافته إلى اليد ، والأكساب والأملاك تضاف إلى الأيدي لتصرف المالك فيها وتمكنه من تحصيلها باليد ، وإضافتها في اليمين أبلغ وأنفذ من إضافتها إلى اليد لكون اليمين أبلغ في القوة والتصرف ، وأولى بتناول ما كرم وطاب ، وأرى فيها وجها آخر ، وهو أن المماليك خصوا بالإضافة إلى الأيمان تنبيها على شرف الإنسان وكرامته ، وتبيينا لفضله على سائر أنواع ما يقع عليه اسم الملك ، وتمييزا له بلفظ اليمين عن جميع ما احتوته الأيدي واشتملت عليه الأملاك . قال الطيبي رحمه الله : والذي يقتضيه ضيق المكان من توصيته أمته في آخر عهده أن يقدر احذروا كقولهم : أهلك والليل ورأسك والسيف ، وأن يكون الحديث من جوامع الكلم ، فناب بالصلاة عن جميع المأمورات والمنهيات ، إذ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وبما ملكت أيمانكم عن جميع ما يتصرف فيه ملكا وقهرا ، ولهذا خص اليمين كما في قول الشاعر :

وكنا الأيمنين إذا التقينا وكان الأيسرين بنو أبينا

فنبه بالصلاة على تعظيم أمر الله ، وبما ملكت أيمانكم على الشفقة على خلق الله ، ولأن ما عام في ذوي العلم وغيره ، وإذا خص بذوي العلم يراد به الصفة ، وهي تحتمل التعظيم والتحقير ، فحمله على المماليك يقتضي تحقير شأنهم ، وكونهم مسخرين لمواليهم ، والوجه الأول أوجه لعمومه ، فيدخل المماليك فيه أيضا . قال ابن الهمام : ظاهر الرواية أنه لا يجبر القاضي على الإنفاق على سائر الحيوانات ; لأن الإجبار نوع قضاء ، والقضاء يعتمد المقضي له ، ويعتمد أهلية الاستحقاق في المقضي له وليس فليس ، ويؤمر به ديانة فيما بينه وبين الله تعالى ، ويكون آثما معاقبا بحبسها عن البيع مع عدم الإنفاق ، وفي الحديث : " امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض ولا هي أطعمتها " . وقد قال علماءنا : خصومة الذمي والدابة يوم القيامة أشد من خصومة المسلم ، وذكر صاحب الهداية أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن تعذيب الحيوان ، يعني ما تقدم من رواية أبي داود : ولا تعذبوا خلق الله ، ونهى عن إضاعة المال ، وهو ما في الصحيحين من أنه - عليه الصلاة والسلام - : كان ينهى عن إضاعة المال وكثرة السؤال . ( رواه البيهقي في " شعب الإيمان " ) .




الخدمات العلمية