الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3488 - وعنه قال : اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة : عبد أو وليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها ، وورثها ولدها ومن معهم . متفق عليه .

التالي السابق


3488 - ( وعنه ) : أي عن أبي هريرة ( قال : اقتتلت امرأتان من هذيل ) : قيل : كانتا ضرتين ( فرمت إحداهما الأخرى بحجر ) : أي صغير أو كبير كما سبق ( فقتلتها وما في بطنها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها ) : وفي نسخة الجنين ( غرة ) : بالتنوين ( عبد أو وليدة ) : أي جارية ، وفي نسخة بالإضافة ( وقضى بدية المرأة ) : أي المقتولة ( على عاقلتها ) : أي القاتلة ( وورثها ) : أي الدية ، وقيل : الضمير في ورثها للجانية التي ماتت بعد الجناية ، والظاهر أنه سهو إلا أن يقال بحذف المضاف أي أموالها ، وهو بعيد عن المرام في هذا المقام . ( ولدها ) : أي أولاد المقتولة ، وقيل : الضمير للجانية أي أولادها ، وساغ ذلك لأنه اسم جنس أضيف إلى الضمير فعم ( ومن معهم ) : أي مع الأولاد يعني الزوج وجمع الضمير ليدل على أن المراد به الجمع لقوله في حديث قبله قضى بأن ميراثها لبنيها وزوجها . وقال بعضهم قوله : ومن معهم أي من الورثة ، والضمير لجنس الولد ; لأن المراد به الأولاد . ( متفق عليه ) : وكذا الإمام أحمد واعلم أن العاقلة جمع يغرم الدية ممن يقع بينهم الممانعة والمعاونة ، واتفق الأئمة على أن الدية في قتل الخطأ على عاقلة الجاني وأنها تجب عليهم مؤجلة في ثلاث سنين واختلفوا هل يدخل الجاني مع العاقلة فيؤدي معهم ؟ فقال أبو حنيفة : هو كأحد العاقلة يلزمه ما يلزم أحدهم ، واختلف أصحاب مالك في ذلك فقال ابن القاسم كقول أبي حنيفة ، وقال غيره : لا يدخل الجاني مع العاقلة ، وقال الشافعي : إن اتسعت العاقلة للدية لم يلزم الجاني شيء وإن لم تتسع لزمه ، وقال أحمد : لا يلزمه شيء إن اتسعت أو لم تتسع ، وعلى هذا من لم تتسع العاقلة لتحمل جميع الدية انتقل باقي ذلك إلى بيت المال ، وإذا كان الجاني من أهل الديوان قال أبو حنيفة : ديوانه عاقلته ويقدمون على العصبة في التحمل ، فإن عدموا فحينئذ تتحمل العصبة ، وكذلك عاقلة السوقي أهل سوقه ثم قرابته ، فإن عجزوا فأهل محلته ، فإن لم يتسع فأهل بلدته ، وإن كان الجاني [ ص: 2281 ] من أهل القرى ولم يتسع فالمصر إلى تلك القرى من سواده ، وقال مالك والشافعي وأحمد : لا مدخل لهم في تحمل الدية إذا لم يكونوا أقارب الجاني ، واختلفوا في تحمل العاقلة من الدية هل هو مقدر أو على قدر الطاقة والاجتهاد ، فقال أبو حنيفة رحمه الله : يسوى بين جميعهم فيأخذ من كل ثلاثة دراهم إلى أربعة ، وقال مالك وأحمد : ليس فيه شيء مؤقت وإنما هو بحسب ما يسهل ولا يضر به ، وقال الشافعي : مقدر بوضع على الغني نصف دينار ، وعلى المتوسط ربع دينار ، ولا ينقص من ذلك ، وهل يستوي الغني والفقير من العاقلة في تحمل الدية ; فقال أبو حنيفة : يستويان . وقال مالك والشافعي وأحمد : يتحمل الغني زيادة على المتوسط . والغائب من العاقلة هل يتحمل شيئا من الديات كالحاضر أم لا ؟ قال أبو حنيفة وأحمد : هما سواء ، وقال مالك : لا يتحمل الغائب مع الحاضر شيئا إذا كان في إقليم آخر ، وعن الشافعي كالمذهبين واختلفوا في ترتيب التحمل فقال أبو حنيفة : القريب والبعيد فيه سواء ، وقال الشافعي وأحمد : يترتب التحمل على ترتيب الأقرب فالأقرب من العصبات ، فإن استغرقوه لم يقسم على غيرهم ، فإن لم يتسع الأقرب لتحمله دخل الأبعد ، وهكذا حتى يدخل فيهم أبعدهم درجة على حسب الميراث ، وابتداء حول العقل هل يعتبر بالموت أو من حكم الحاكم قال أبو حنيفة : من حين حكم الحاكم ، وقال مالك والشافعي وأحمد : من حين الموت ، ومن مات من العاقلة بعد الحول فهل يسقط ما كان يلزمه أم لا ؟ قال أبو حنيفة : يسقط ولا يؤخذ من تركته ، وأما مذهب مالك فقال ابن القاسم : يجب في ماله ويؤخذ من تركته : وقال الشافعي وأحمد في إحدى روايتيه : ينتقل ما عليه إلى تركته ، كذا في كتاب الرحمة في اختلاف الأئمة ، وفي شرح جمع الجوامع قيل : من الأحكام ما يدرك معناه كوجوب الدية على العاقلة وقيل : يدرك وهو إعانة الجاني فيما هو معذور فيه ، كما يعان الغارم لإصلاح ذات البين بما يصرف إليه من الزكاة اهـ . وفي نظيره نظر لا يخفى .




الخدمات العلمية