الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3511 - وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش العسرة وكان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر ، فانتزع المعضوض يده من في العاض ، فأندر ثنيته فسقطت فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته ، وقال : ( أيدع يده في فيك تقضمها كالفحل ) متفق عليه .

التالي السابق


3511 - ( وعن يعلى بن أمية ) : أي : التميمي الحنظلي ، أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك ، وروى عنه ابنه صفوان وعطاء ومجاهد وغيرهم قتل بصفين مع علي بن أبي طالب ( قال : غزوت ) : أي : الكفار ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش العسرة ) : أي : في غزوة تبوك ، وسمي جيش العسرة لما فيها من كثرة الحر وقلة الزاد والظهر . قال الطيبي : غزوت العدو قصدته للقتال غزوا وقوله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حال من الفاعل ، وجيش العسرة حال من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى قصدت مصاحبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كونه مجهزا جيش العسرة ، وفي حديث عثمان : أنه جهز جيش العسرة وهو جيش غزوة تبوك ، سمي به لأنه ندب الناس إلى الغزو في شدة القيظ ، وكانت وقت إيناع الثمرة وطيب الظلال ، فعسر ذلك عليهم وشق والعسر ضد اليسر وهو الضيق والشدة والصعوبة . ( وكان لي أجير ، فقاتل إنسانا ) : أي : خاصمه ( فعض أحدهم يد الآخر ، فانتزع ) : وفي نسخة . فنزع أي : جذب ( المعضوض يده من في العاض ) أي : من فمه ( قال أندر ثنيته ) : أي : أسقطه المعضوض ( فسقطت ) : أي : ثنية العاض ( فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي فذهب العاض إليه رافعا لقضيته ، طالبا قصاص ثنيته ( فأهدر ) : أبطل النبي صلى الله عليه وسلم ثنيته ) : أي : ما يتعلق بها ، والمعنى لم يلزمه شيئا ( قال ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيدع يده في فيك ) : أي : أيتركها في فمك ( تقضمها ) : فتح الضاد المعجمة ويكسر من قضم كفرح أكل بأطراف أسنانه على ما في القاموس والمغرب والمصباح إلا أن صاحب المصباح جعله من باب ضرب لغة ( كالفحل ) أي : كقضم الفحل من الإبل يعني من غير شفقة وروية . قال القاضي قوله : أيدع يده . . . إلخ إشارة إلى علة الإهدار ، وهو أن ما يدفع به الصائل المختار إذا تعين طريقا أي دفعه مهدر ; لأن الدافع مضطر إليه ألجأه الصائل إلى دفعه به وهو نتيجة فعله ومسبب عن جنايته ، وكأنه الذي فعله وجنى به على نفسه . في شرح السنة : وكذلك لو قصد رجل الفجور بامرأة فدفعته عن نفسها فقتلته لا شيء عليها ، رفع لعمر رضي الله عنه جارية كانت تحتطب فأتبعها رجل فراودها عن نفسها ، فرمته بحجر فقتلته ، فقال عمر رضي الله عنه : هذا قتيل الله ، والله لا يودى أبدا . وهو قول الشافعي ، وكذا من قصد ماله ودمه وأهله فله دفع القاصد ومقاتلته . وينبغي أن يدفع بالأحسن فالأحسن ، فإن لم يمتنع إلا بالمقاتلة وقتله فدمه هدر وهل له أن يستسلم ؟ نظر إن أريد ماله فله ذلك ، وإن أريد دمه ولا يمكن دفعه إلا بالقتل ، فقد ذهب قوم إلى أن له الاستسلام إلا أن يكون القاصد كافرا أو بهيمة ، وذهب قوم إلى أن الواجب الاستسلام . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية