الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

3694 - عن الحارس الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : آمركم بخمس : بالجماعة والسمع ، والطاعة ، والهجرة ، والجهاد في سبيل الله ، وإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثى جهنم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم . رواه أحمد والترمذي .

التالي السابق


الفصل الثاني

3694 - ( عن الحارث الأشعري ) قال المؤلف : هو الحارث بن الحارث الأشعري يعد في الشاميين ; روى عنه أبو سلام الحبشي وغيره ، ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمركم ) ; أي أنا ( بخمس ) ; أي خصال ( بالجماعة ) ; أي باتباع إجماع جماعة المسلمين ، والاعتقاد ، والقول ، والعمل المتعلق بالدين ، قال الطيبي : المراد بالجماعة الصحابة ، ومن بعدهم من التابعين ، وتابعي التابعين من السلف الصالحين ; أي آمركم بالتمسك بهديهم وسيرتهم والانخراط في ذمتهم ، ( والسمع ) ; أي استماع كلمة الحق وقبولها من الأمير والغني والفقير وغيرهما ، وقال الطيبي : المراد بالسمع ; الإصغاء إلى الأوامر والنواهي وتفهمهما ، ( والطاعة ) ; أي طاعة الأمير في المشروعات ، وقالالطيبي : المراد بالطاعة الامتثال بالأوامر والانزجار عن النواهي ( والهجرة ) ; أي الانتقال من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة ، ومن دار الكفر إلى دار الإسلام ، ومن دار البدعة إلى دار السنة ، ومن المعصية إلى التوبة ، لقوله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " ( والجهاد في سبيل الله ) ; أي مع الكفار لإعلاء كلمة الله وقمع أعدائها ، ومع النفس بكفها عن شهواتها ، ومنعها عن لذاتها ، فإن معاداة النفس مع الشخص أقوى وأضر من معاداة الكفرة معه ، وقد روى : أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ( فإنه ) وفي نسخة صحيحة ( وإنه ) قال الطيبي : اسم " إن " ضمير الشأن ، والجملة بعده تفسيره ، وهو كالتعليل للأمر بالتمسك بعرى الجماعة ، والواو مثلها ; في قوله تعالى : وقالا الحمد لله بعد قوله ولقد آتينا داود وسليمان علما في الإخبار عن الجملتين ، وتفويض الترتيب بينهما إلى ذهن السامع ( من خرج من الجماعة قيد شبر ) بكسر القاف وسكون التحتية ; أي قدره وأصله القود من القود ; وهو المماثلة والقصاص ، والمعنى من فارق ما عليه الجماعة بترك السنة واتباع البدعة ونزع اليد عن الطاعة ، ولو كان بشيء يسير يقدر في الشاهد بقدر شبر ، ( فقد خلع ربقة الإسلام ) ; أي نقض عهده وذمته ( من عنقه ) وانحرف عن الجماعة وخرج عن الموافقة ( إلا أن يراجع ) بصيغة المفاعلة للمبالغة ، والربقة بكسر فسكون ; وهي في الأصل ; عروة في حبل يجعل في عنق البهيمة ، أو يدها تمسكها ، فاستعارها للإسلام ، يعني ما شد المسلم به نفسه من عرى الإسلام ; أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه ، وقال بعضهم : والمعنى فقد نبذ عهد الله ، وأخفر ذمته التي لزمت أعناق العباد ; لزوم الربقة ، بالكسر ، وهي واحدة الربق ، وهو حبل فيه عدة عرى يشد بهم البهم ; أي أولاد الضأن ، والواحدة من تلك العرى ربقة ، ( ومن دعا بدعوى الجاهلية ) قال الطيبي : عطف على الجملة التي وقعت مفسرة لضمير الشأن للإيذان بأن التمسك [ ص: 2407 ] بالجماعة وعدم الخروج عن زمرتهم من شأن المؤمنين والخروج عن زمرتهم من هجيرى الجاهلية ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " فعلى هذا ينبغي أن يفسر دعوى الجاهلية بسننها على الإطلاق ; لأنها تدعو إليها ، وهو أحد وجهي ما قال القاضي ، والوجه الآخر الدعوى تطلق على الدعاء وهو النداء ، والمعنى من نادى في الإسلام بنداء الجاهلية ، وهو أن الرجل منهم إذا غلب عليه خصمه نادى بأعلى صوته قومه ، يا آل فلان ، فيبتدرون إلى نصره ظالما كان ، أو مظلوما ، جهلا منهم وعصبية ، وحاصل هذا الوجه يرجع أيضا إلى الوجه السابق ، وينصره ما روي في شرح السنة في آخر هذا الحديث ، فادعوا المسلمين بما سماهم الله المسلمون ، والمؤمنون ، وعباد الله ، ( فهو ) أي الداعي المذكور ( من جثى جهنم ) بضم الجيم مقصورا ; أي من جماعاتهم ، جمع جثوة ، بالحركات الثلاث ، وهي الحجارة المجموعة ، وروي من جثي ، بتشديد الياء ، وضم الجيم ، جمع جاث ، من جثا على ركبتيه يجثو ، أو يجثي ، وكسر الجيم ، جائز لما بعدها من الكسرة ، وقرئ بهما في قوله تعالى : ونذر الظالمين فيها جثيا وفي الفائق ، واحدتها جثوة ، بضم الجيم ; أي من جماعات جهنم ، وهي في الأصل ما جمع من تراب ، أو غيره فاستعير للجماعة ، ( وإن صام ) أي ولو صام ( وصلى وزعم أنه مسلم ، رواه أحمد والترمذي ) .




الخدمات العلمية