الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3825 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من قاتل في سبيل الله فواق ناقة ; فقد وجبت له الجنة ومن جرح جرحا في سبيل الله ، أو نكب نكبة ، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت ، لونها الزعفران ، وريحها المسك . ومن خرج به خراج في سبيل الله ، فإن عليه طابع الشهداء " . رواه الترمذي ، وأبو داود ، والنسائي .

التالي السابق


3825 - ( وعن معاذ بن جبل رضي . الله عنه ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من قاتل في سبيل الله فواق ناقة ) : هو بالفتح والضم ما بين الحلبتين . في الفائق : هو في الأصل رجوع اللبن إلى الضرع بعد الحلب ، وسمي فواقا ; لأنه نزل من فوق اه . وهذا يحتمل أن يكون ما بين الغداة إلى العشاء ; لأن الناقة تحلب فيهما ، وأن يكون قدر مدتي الضرع من الوقت ; لأنها تحلب ثم تتولى سويعة يرضعها الفصيل لتدر ، ثم تحلب ثانية ، وهذه الأخيرة أليق بالترغيب في الجهاد ; أي من قاتل في سبيل الله لحظة . ( فقد وجبت له الجنة ) : أي ابتداء ، أو استحقها ( ومن جرح ) : بصيغة المفعول ( جرحا ) : بضم الجيم وبالفتح هو المصدر ; أي جراحة كائنة ( في سبيل الله ) : بسلاح من عدو ( أو نكب ) : بصيغة المجهول ; أي : أصيب نكبة بالفتح ; أي حادثة فيها جراحة من غير العدو فأو للتنويع ، قيل : الجرح والنكبة كلاهما واحد ، وقيل : الجرح ما يكون من فعل الكفار ، والنكبة الجراحة التي أصابته من وقوعه من دابته ، أو وقوع سلاح عليه . قلت : هذا هو الصحيح ، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :

هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت ، [ ص: 2477 ] وفي النهاية : نكتب أصبعه ; أي نالتها الحجارة ، والنكبة ما يصيب الإنسان من الحوادث ( فإنها ) : أي النكبة التي فيها الجراحة ( تجيء يوم القيامة ) : قال الطيبي : قد سبق شيئان الجرح والنكبة ، وهي ما أصابه في سبيل الله من الحجارة فأعاد الضمير إلى النكبة دلالة على أن حكم النكبة إذا كان بهذه المثابة فما ظنك بالجرح بالسنان والسيف ؟ ونظيره قوله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ) اه . ، أو يقال : إفراد الضمير باعتبار أن مؤداهما واحد وهي المصيبة الحادثة في سبيل الله ، فهي تظهر وتتصور ( كأغزر ما كانت ) : أي كأكثر أوقات أكوانها في الدنيا . قال الطيبي : الكاف زائدة وما مصدرية ، والوقت مقدر يعني حينئذ تكون غزارة دمه أبلغ من سائر أوقاته اه .

والأظهر أن الكاف غير زائدة والمراد أن الجراحة والنكبة تكون يوم القيامة مثل أكثر ما وجد في الدنيا . ( لونها الزعفران ، وريحها المسك ) : كل منهما تشبيه بليغ ( ومن خرج به ) : الباء للإلصاق ; أي : ظهر به ( خراج ) : وهو بضم المعجمة ما يخرج في البدن من القروح والدماميل ( في سبيل الله فإن عليه ) : أي على نفس الخراج ، أو على صاحبه ( طابع الشهداء ) : بفتح الموحدة ويكسر ; أي : ختمهم يعني علامة الشهداء وأمارتهم ، ليعلم أنه سعى في إعلاء الدين ويجازى جزاء المجاهد . قال الطيبي : ونسبة هذه القرينة مع القرينتين الأوليين الترقي في المبالغة من الإصابة بآثار ما يصيب المجاهد في سبيل الله من العدو تارة ، ومن غيره أخرى ، وطورا من نفسه . ( رواه الترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ) : ورواه أحمد عن عمرو بن عبسة ولفظه : " من قاتل في سبيل الله فواق ناقة حرم الله على وجهه النار " .




الخدمات العلمية