الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3919 - وعن سعيد بن أبي هند ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين " . فأما إبل الشياطين فقد رأيتها يخرج أحدكم بنجيبات معه قد أسمنها فلا يعلو بعيرا منها ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله . وأما بيوت الشياطين فلم أرها . كان سعيد يقول : لا أراها إلا هذه الأقفاص التي يستر الناس بالديباج . رواه أبو داود .

التالي السابق


3919 - ( وعن سعيد بن أبي هند رضي الله عنه ) : قال المؤلف : هو مولى سمرة ، روى عن أبي موسى وأبي هريرة وابن عباس وعنه ابنه عبد الله ونافع بن عمر الجمحي ثقة مشهور ( عن أبي هريرة رضي الله عنهم ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تكون ) : بالتأنيث وفي نسخة بالتذكير ; أي : ستوجد وتحدث ( إبل للشياطين ) : يريد بها المعدة للتفاخر والتكاثر ولم يقصد بها أمرا مشروعا ، ولم تستعمل فيما يكون فيه قربة ( وبيوت ) : بكسر الباء وضمها ; أي : مساكن ( للشياطين ) : أي : إذا كانت زائدة على قدر الحاجة ، أو مبنية من مال الحرام . ، أو للرياء والسمعة ( فأما إبل الشياطين فقد رأيتها ) : أي : في زماني هذا من كلام الراوي ، وهو أبو هريرة ، والحديث هو ذلك المحمل السابق ( يخرج أحدكم ) : استئناف بيان ( بنجيبات معه ) : جمع نجيبة وهي الناقة المختارة ، ففي النهاية النجيب من الإبل القوي منها الخفيف السريع ( قد أسمنها ) : أي : للزينة ( في يعلو ) : أي : لا يركب ( بعيرا منها ويمر ) : أي : في السفر ( بأخيه ) : أي : في الدين ( قد انقطع به ) : على صيغة المجهول ; أي كل عن السير ، فالضمير للرجل المنقطع ، وبه نائب الفاعل والجملة حال ( فلا يحمله ) : أي : فلا يركب أخاه الضعيف عليها ، وهذا ; لأن الدواب إنما خلقت للانتفاع بها بالركوب والحمل عليها ، فإذا لم يحمل عليها من أعيا في الطريق ، فقد أطاع الشيطان في منع الانتفاع ، فكأنها للشياطين ، وقد حدث في زماننا أعظم منه ، وهو أن يكون مع الأكابر إبل كثيرة ويأخذوا إبل الضعفاء سخرة ، وربما تكون مستأجرة في طريق الحج ، فيرموا الحمول عنها ويأخذوها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . ( وأما بيوت الشياطين فلم أرها ) : إلى هنا كلام الصحابي .

( كان سعيد ) : أي : ابن هند التابعي الراوي عن أبي هريرة هذا الحديث رضي الله عنه ( يقول : لا أراها ) : بضم الهمزة ; أي : لا أظنها ، وفي نسخة بفتحها ; أي : لا أعلمها ( إلا هذه الأقفاص ) : أي : المحامل والهوادج ( التي يستر ) : وفي نسخة يسترها ( الناس بالديباج ) : أي : بالأقمشة النفيسة من الحرير وغيره ، والظاهر أن النهي عنها ليس لذاتها بل لسترها بالحرير وتضييع المال والتفاخر والسمعة والرياء . قال القاضي : عين الصحابي من أصناف هذا النوع من الإبل صنفا ، وهو نجيبات سمان يسوقها الرجل معه في سفره ، فلا يركبها ولا يحتاج إليها في حمل متاعه ، ثم إنه يمر بأخيه المسلم قد انقطع به من الضعف والعجز فلا يحمله ، وعين التابعي صنفا من البيوت وهو الأقفاص المحلاة بالديباج يريد بها المحامل التي يتخذها المترفون في الأسفار . قال الأشرف : وليس في الحديث ما يدل عليه بل نظم الحديث دليل على أن جميعه إلى قوله فلم أرها من متن الحديث . ومن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى هذا فمعناه أنه قال : فأما إبل الشيطان فقد رأيتها إلى قوله " فلا يحمله " ، وأما بيوت الشياطين فلم أرها ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير من الهوادج المستورة بالديباج والمحامل التي يأخذها المترفون في الأسفار ، ومما يدل على ما ذكرناه قول الراوي بعد قوله : فلم أرها . كان سعيد يقول إلخ . قال الطيبي : هذا توجيه غير موجه يعرف بأدنى تأمل ، والتوجيه ما عليه كلام القاضي اهـ . ولا يخفى أن ظاهر العبارة مع الأشرف ، ويحتاج إلى العدول عنه إلى نقل صريح ، أو دليل صحيح ، وليس للتأمل فيه مدخل إلا مع وجود أحدهما فتأمل ، فإنه موضع زلل ، اللهم إلا أن يثبت بقوله : يكون فإن الظاهر منه أنه للاستقبال كما أشرنا إليه أولا ، فحينئذ لا يلائمه أن يكون قوله : فأما الإبل فقد رأيتها من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل يتعين أن يكون قول غيره ، فلما نسب آخر الحديث إلى التابعين تبين أن تفضيل أوله راجع إلى الصحابي ، فيصح الاستدلال ويزول الإشكال ، والله أعلم بالحال . ( رواه أبو داود ) .

[ ص: 2522 ]



الخدمات العلمية