الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4153 - وعن الحسن ، عن سمرة - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ، ويسمى ، ويحلق رأسه " رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي لكن في روايتهما " رهينة " بدل مرتهن وفي رواية لأحمد وأبي داود ويدمى مكان " ويسمى وقال أبو داود ويسمى أصح .

التالي السابق


4153 - ( وعن الحسن ) أي البصري - رضي الله عنه - ( عن سمرة ) أي ابن جندب - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الغلام مرتهن " ) : بضم الميم وفتح الهاء أي مرهون بعقيقته : يعني أنه محبوس سلامته عن الآفات بها أو إنه كالشيء المرهون لا يتم الاستمتاع به دون أن يقابل بها لأنه نعمة من الله على [ ص: 2688 ] والديه ، فلا بد لهما من الشكر عليه ، وقيل : معناه أنه معلق شفاعته لهما لا يشفع لهما إن مات طفلا ولم يعق عنه . قال التوربشتي في قوله : مرتهن نظر لأن المرتهن هو الذي يأخذ الرهن ، والشيء مرهون ورهين ، ولم نجد فيما يعتمد من كلامهم بناء المفعول من الارتهان ، فلعل الراوي أتى به مكان الرهينة من طريق القياس . وقال الطيبي : طريق المجاز غير مسدود وليس . بموقوف على السماع ، ولا يستراب أن الارتهان هنا ليس مأخوذا بطريق الحقيقة ، ويدل عليه قول الزمخشري في أساس البلاغة في قسم المجاز : فلان رهن بكذا ورهين ورهينته ومرتهن به مأخوذ به . قال صاحب النهاية : معنى قوله : رهينة بعقيقته أن العقيقة لازمة له لا بد له منها فشبهه في لزومها له ، وعدم انفكاكه منه بالرهن في يد غير المرتهن ، والهاء في الرهينة للمبالغة لا للتأنيث كالشتم والشتيمة . وهو بحث غريب واعتراض عجيب ، فإن كلام التوربشتي في أن لفظ المرتهن بصيغة المفعول غير مسموع ، وأن الراوي ظن أن المرتهن يأتي بمعنى الرهينة الثابتة في الرواية فنقله بالمعنى على حسبانه ، وأما كون الرهن في هذا المقام ليس على حقيقته بل على المجاز فلا يخفى على من له أدنى تأمل وتعقل ، فكيف على الإمام الجليل المحقق في المنقول والمعقول ، والجامع بين الفروع والأصول ، بل ما ذكره عن الأساس والنهاية يدل على مراده وبحثه في الغاية ، وسيأتي في كلامه أيضا ما يبين هذا المبحث لفظا ومعنى وفي شرح السنة : قد تكلم الناس فيه ، وأجودها ما قاله أحمد بن حنبل معناه أنه إذا مات طفلا و لم يعق عنه لم يشفع في والديه . وروي عن قتادة : أنه يحرم شفاعتهم . قال الشيخ التوربشتي : ولا أدري بأي سبب تمسك ، ولفظ الحديث لا يساعد المعنى الذي أتى به بل بينهما من المباينة مالا يخفى على عموم الناس ، فضلا عن خصوصهم ، والحديث إذا استبهم معناه فأقرب السبب إلى إيضاحه استيفاء طرقه ، فإنها قلما تخلو عن زيادة أو نقصان ، أو إشارة بالألفاظ المختلف فيها رواية فيستكشف بها ما أبهم منه وفي بعض طرق هذا الحديث : كل غلام رهينة بعقيقته أي مرهون ، والمعنى أنه كالشيء المرهون لا يتم الانتفاع والاستمتاع به دون فكه ، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر ووظيفة الشكر في هذه النعمة ما سنه نبيه النبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو أن يعق عن المولود شكرا لله تعالى ، وطلبا لسلامة المولود ، ويحتمل أنه أراد بذلك أن سلامة المولود ونشوه على النعت المحبوب رهينة بالعقيقة ، وهذا هو المعنى ، اللهم إلا أن يكون التفسير الذي سبق ذكره متلقى من قبل الصحابة ، ويكون الصحابي قد اطلع على ذلك من مفهوم الخطاب أو قضية الحال ، ويكون التقدير شفاعة الغلام لأبويه مرتهن بعقيقته . قال الطيبي : ولا ريب أن الإمام أحمد بن حنبل ما ذهب إلى هذا القول إلا بعد ما تلقى من الصحابة والتابعين على أنه إمام الأئمة الكبار يجب أن يتلقى كلامه بالقبول ويحسن الظن به . وفيه أن عدم الريب في تلقيه من الصحابة والتابعين من علم الغيب ، وأن وجوب قبول كلامه إنما يكون بالنسبة إلى مقلده لا بالنسبة إلى العلماء المجتهدين الذين خرجوا عن ربقة التقليد ، ودخلوا في مقام تحقيق الأدلة والتسديد والتأبيد ، ثم إن كلام التوربشتي في أن المراد به كون الشفاعة لا غير غير ظاهر ، فلا ينافي أن قوله لا يتم الانتفاع والاستمتاع به دون فكه يقتضي عمومه في الأمور الأخروية والدنيوية ، ونظر الألباء مقصور على الأول وأولى الانتفاع بالأولاد في الآخرة شفاعة الوالدين ، ألا ترى إلى قوله تعالى من بعد وصية يوصي بها أو دين وقوله آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا قدم الوصية على الدين والدين مقدم إخراجه على الوصية وعلله بقوله " آباؤكم وأبناؤكم " إشارة إلى أن الوصية وإنفاذها أنفع لكم مما ترك لهم ولم يوص به . الكشاف : أي لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون أمن أوصى منهم إن لم يوص ، يعني أن من أوصى ببعض ماله وعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته ، فهو أقرب لكم نفعا وأحضر جدوى من ترك الوصية فوفر عليكم عرض الدنيا وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا ذهابا إلى حقيقة الأمر ، لأن عرض الدنيا وإن كان عاجلا قريبا في الصورة إلا أنه فان فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى ، وثواب الآخرة وإن كان [ ص: 2689 ] آجلا إلا أنه باق فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى اهـ . والظاهر أن الجارية في حكم الغلام . " تذبح " بالتأنيث أي عقيقته ، وفي نسخة بالتذكير فنائب الفاعل قوله " عنه : أي عن الغلام " يوم السابع ، ويسمى " أي الغلام . بما يسمى حينئذ لا قبله " ويحلق رأسه " أي يومئذ ( رواه أحمد ، والترمذي ) وكذا الحاكم ( وأبو داود والنسائي لكن في روايتهما " رهينة " بدل مرتهن " وفي رواية لأحمد وأبي داود : " ويدمى " ) : بتشديد الميم أي يلطخ رأسه بدم العقيقة ( كان : ويسمى ) أي بدله وفي موضعه ( وقال أبو داود : ويسمى " أصح ) أي رواية ودراية ، وفي شرح السنة روي عن الحسن أنه قال : يطلى رأس المولود بدم العقيقة . وكان قتادة يصف الدم ويقول إذا ذبحت العقيقة تؤخذ صوفة منها فيستقبل بها أوداج الذبيحة ، ثم توضع على يافوخ الصبي حتى إذا سال شبه الخيط غسل رأسه ثم حلق بعد ، و كره أكثر أهل العلم لطخ رأسه بدم العقيقة وقالوا : كان ذلك من عمل الجاهلية وضعفوا رواية من روى يدمى ، وقالوا : إنما هو يسمى ويروى لطخ الرأس بالخلوق والزعفران مكان الدم اهـ . وأيضا يسن إماطة الأذى ، فكيف يؤمر بازدياده ، وقيل : هو الختان ، وهذا أقرب لو صحت الرواية فيه .




الخدمات العلمية