الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4249 - وعن أنس - أو غيره - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استأذن على سعد بن عبادة ، فقال : " السلام عليكم ورحمة الله " ، فقال سعد : وعليكم السلام ورحمة الله ، ولم يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سلم ثلاثا ، ورد عليه سعد ثلاثا ، ولم يسمعه ، فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتبعه سعد ، فقال : يا رسول الله ! بأبي أنت وأمي ، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني ، ولقد رددت عليك ولم أسمعك ، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة ، ثم دخلوا البيت ، فقرب له زبيبا ، فأكل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ قال : " أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون " . رواه في " شرح السنة " .

التالي السابق


4249 - ( وعن أنس - رضي الله تعالى عنه - أو غيره ) : أي من الصحابة - رضى الله عنهم أجمعين - وهو شك من أحد الرواة ، وقد جزم غيره بأنه عن أنس - رضي الله عنه - ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استأذن على سعد بن عبادة ) : أي : طلب الإذن أن يدخل عليه ( قال ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - للاستئذان ( السلام عليكم ورحمة الله ) : وهل قال : " أدخل ؟ " يحتمل ( فقال سعد ) : أي سرا ( وعليكم السلام ورحمة الله ) : الظاهر أنه زاد : " وبركاته " ، فاختصره الراوي نسيانا ( ولم يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم : من الإسماع أي لم يقصد سعد سماعه - صلى الله عليه وسلم - حيث لم يرفع صوته لغرضه الآتي ولم يبعد أن يكون من السماع وهو لازمه ، والمعنى أنه وقع سلام الاستئذان جهرا وجوابه سرا ( حتى سلم ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ورد عليه سعد ثلاثا ) : ظرف للفعلين ، ( ولم يسمعه ) : بضم أوله أي في كل مرة ( فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتبعه ) : بالتشديد أي فتبعه ( سعد ، فقال : يا رسول الله ! بأبي أنت ) : أي مفدى أو أفديك بأبي ( وأمي ) : [ ص: 2737 ] أي وبأمي ، والمعنى أجعلك مفديا بأيهما وأصيرهما فداء لك ، قال بعضهم : أنه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - ولا يقال لغيره ، كذا في حاشية البخاري للسيوطي رحمه الله ، لكن ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لسعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - " فداك أبي وأمي " ، وكذا للزبير ، ولم يقل ذلك لأحد غيرهما ، ولعل هذا أيضا من خصوصياته .

( ما سلمت تسليمة إلا هي ) : وفي نسخة " إلا وهي " : أي التسليمة ( بأذني ) : بصيغة التثنية للمبالغة أي في مسموعي ( ولقد رددت عليك ) : أي أجبتك سرا كل مرة ( ولم أسمعك ; أحببت ) : استئناف بيان ، أي وددت ( أن أستكثر من سلامك ومن البركة ) : أي في سلامك وكلامك . قيل : هذا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يضم " وبركاته " ، وفيه بحث ظاهر . وقال الطيبي : فيه دليل على استحباب عدم إسماع رد السلام لمثل هذا الغرض الخطير ، يعني لتقريره - صلى الله عليه وسلم - لكن فيه إشكال ، وهو أن رد السلام من غير إسماع لا يقوم مقام الغرض ، ولعله وقع الإسماع حال الاتباع ( ثم دخلوا البيت فقرب له زبيبا ) : أي قدم بعضا من هذا الجنس ، وفي رواية : " فجاء بخبز وزبيب " ( فأكل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ) : أي منه ( فلما فرغ قال ) : أي دعا ( أكل طعامكم الأبرار ) : قال المظهر يجوز أن يكون هذا دعاء منه - صلى الله عليه وسلم - وأن يكون إخبارا ، وهذا الموصوف موجود في حقه - صلى الله عليه وسلم - لأنه أبر الأبرار ، وأما من غيره - صلى الله عليه وسلم - فيكون دعاء لأنه لا يجوز أن يخبر أحد عن نفسه أنه بر قال الطيبي : ولعل إطلاق الأبرار وهو جمع على نفسه صلوات الله عليه للتعظيم كقوله تعالى : إن إبراهيم كان أمة قلت : وكذا يحتمل قوله : ( وصلت عليكم الملائكة ) : أن يكون دعاء وإخبارا وأما قوله : ( وأفطر عندكم الصائمون ) : فدعاء لأن مجرد الإخبار به لا يفيد فائدة تامة ، مع أن الظاهر أنه ما كان وقت الإفطار ، ولا ينافيه تقييده في رواية بقوله : " إذا أفطر عند قوم دعا لهم " ، بل فيه تأييد له ، فتأمل غايته أنه قيد واقعي لا احترازي ( رواه في " شرح السنة ) : قال ميرك جاء عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة ، فجاء بخبز وزبيب فأكل ، ثم قال : " أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة " ، هكذا رواه أبو داود بإسناد صحيح ، ورواه ابن السني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر عند قوم دعا لهم فقال : " أفطر عندكم " . . الخ . وروى ابن ماجه عن عبد الله بن الزبير قال : أفطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند سعد بن معاذ فقال : " أفطر عندكم " . . الخ . ورواه ابن حبان في صحيحه ، وعنده سعد بن عبادة بدل سعد بن معاذ ، والله أعلم بالصواب ، ويمكن الجمع بتعدد القضية .




الخدمات العلمية