الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4585 - وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة ، وقال : " كل ثقة بالله ، وتوكلا عليه " . رواه ابن ماجه .

التالي السابق


4585 - ( وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة ) بفتح القاف ففيه غاية التوكل ، ونهاية التجمل من جهتين . إحداهما : الأخذ بيده ، وثانيهما الأكل معه ، وقد ورد : كل مع صاحب البلاء تواضعا لربك وإيمانا . رواه الطحاوي عن أبي ذر . ( وقال : كل ثقة بالله ) بكسر المثلثة مصدر بمعنى الوثوق كالعدة والوعد ، وهو مفعول مطلق أي كل معي أثق ثقة بالله أي اعتمادا به تفويضا للأمر إليه ( وتوكلا ) : أي وأتوكل توكلا ( عليه ) . والجملتان حالان ثانيتهما مؤكدة للأولى ، ويمكن أن تكون الأولى ناظرة إلى ما سبق من التقدير ، والثانية إلى ما يلحق الإنسان من التغيير ولا شك أن التأسيس بالتقييد أولى من مجرد التأكيد ، وحاصله قطع النظر عن الأسباب ومحط البصر على مشاهدة أفعال رب الأرباب ، فإن العلل المعدية لها تأثير عند النفوس الردية ، مع أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - معصومون من الأمراض المنفرة وقال بعضهم : هذا درجة المتوكل في متاركة الأسباب ، وهذا حاله - صلى الله عليه وسلم - والاحتراز عن المجذوم رخصة ، وعن بعضهم هو منصوب على الحال وصاحبها محذوف ؛ أي كل معي واثقا بالله تعالى أي حال كوني واثقا بالله ومتوكلا عليه .

قال الطيبي : ويحتمل أن يكون هو من كلام الراوي حال من فاعل . قال : وأن يكون مفعولا مطلقا أي كل ، من استأنف بقوله : أثق بالله . قلت : أما قوله الأول ، فغير صحيح دراية لأنه يوهم أن له - صلى الله عليه وسلم - حالا خلاف ذلك ، ولا خلاف في خلافه ، فيحتاج إلى القول بأنها حال مؤكدة ، فلو قال نصبهما على العلة لكان أولى ، كما لا يخفى ، لكنه مع هذا غير صحيح رواية لما سيأتي أنه من جملة كلامه - صلى الله عليه وسلم - وأما قوله الثاني ، ففيه انفكاك الكلام وهو غير ملائم للمقام ( رواه ابن ماجه ) .

وفي الحصن : وإن أكل مع مجذوم أو ذي عاهة قال : بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه . رواه الترمذي ، وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وابن السني . وفي الجامع الصغير : كل بسم الله ثقة بالله وتوكلا على الله . رواه الأربعة وابن حبان والحاكم عنه ، فهذه الأحاديث تدل على أن المجموع من الكلام المرفوع خلافا لما جعله الطيبي من التركيب المرفوع ، وأما ترك المؤلف البسملة مع وجودها في الأصول ، فإما محمولة على رواية منفردة غريبة لابن ماجه ، أو على غفلة من صاحب المشكاة أو المصابيح ، والله سبحانه أعلم .

[ ص: 2899 ]



الخدمات العلمية