الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4741 - وعن هلال بن يساف - رضي الله عنه - قال : كنا مع سالم بن عبيد ، فعطس رجل من القوم ، فقال : السلام عليكم . فقال له سالم : وعليك وعلى أمك . فكأن الرجل وجد في نفسه ، فقال : أما إني لم أقل إلا ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : السلام عليكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عليك وعلى أمك ، إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله رب العالمين ، وليقل له من يرد عليه : يرحمك الله ، وليقل : يغفر الله لي ولكم " رواه الترمذي ، وأبو داود .

التالي السابق


4741 - ( وعن هلال بن يساف ) : بكسر الياء وقيل بفتحها ، وهو نسخة ، وجزم به المؤلف في أسمائه ، ففي القاموس هلال بن يساف بالكسر وقد يفتح ، تابعي كوفي اهـ . أو الياء أصلية فيتعين الصرف ، وفي المغني بفتح المثناة التحتية وتخفيف السين المهملة وبالفاء ، أو هو بفتح ياء وكسرها وبكسر همزة مكان ياء . قال المؤلف : هو مولى أشجع ، أدرك علي بن أبي طالب ، وروى عن مسلم بن قيس ، وسمع أبا مسعود الأنصاري ، وعنه جماعة . ( قال : كنا مع سالم بن عبيد ) : بالتصغير ، قال المؤلف : هو أشجعي من أهل الصفة ، وعداده فيأهل الكوفة ، روى عنه هلال بن يساف وغيره . ( فعطس رجل من القوم ، فقال : السلام عليكم ) : ظنا أنه يجوز أن يقال بدل الحمد لله ذكره ابن الملك ، [ ص: 2990 ] ويحتمل أنه وقع من سبق اللسان ، كما قد يشاهد من غيره ، لكن يرجح الأول حيث اعترض عليه ( فقال له سالم : وعليك ) : بالواو ( وعلى أمك ) : نبه بذلك على حماقتها ؛ حيث سرى فيه من صفاتها ، فافتقر إلى الدعاء بالسلامة من الآفات ، ذكره ابن الملك ، وفيه أنه لا وجه لنسبة الحماقة إلى ذاتها الغائبة ، ولسريان صفاتها إلى ولدها ، فإنه غير معتبر شرعا ، بل إنما هو دعاء لهما بالسلامة ، لكن على طبق كلامه ؛ حيث وقع في غير موقعه ، نعم قد يقال الأوجه في وجه تخصيص الأم أنه كناية عن تربيتها إياه دون أبيه ، فإنهن ناقصات العقل والدين ، و لم يعرفن تفصيل الآداب بخلاف الآباء ، فإنهم لمعاشرة العلماء يعرفون غالبا مثل هذه الأشياء ( فكأن الرجل ) : بتشديد النون ( وجد ) أي : الكراهة أو الخجالة أو الحزن لما قال سالم ( في نفسه ) : لكن لم يظهره وظهر عليه بعض آثاره ، وقال شارح أي : غضب أو حزن من الموجدة ، وهو الغضب أو الوجد ، وهو الحزن . وقال الجوهري : وجد عليه في الغضب موجدة ووجدانا أيضا ، ووجد في الحزن وجدا بالفتح ، وفي الحديث إذا حمل على الغضب قيل : وجد عليه في نفسه أي : لم يظهر الغضب وكظم الغيظ ، وإذا حمل على الحزن قيل أي : أوقع الحزن في نفسه ( فقال ) أي : سالم ( أما ) : بالتخفيف للتنبيه ( إني لم أقل إلا ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ) أي : فأنا متبع لا مبتدع ( إذ عطس رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : السلام عليكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عليك ) : بلا واو ( وعلى أمك ) : قال التوربشتي : نبه بقوله عليك وعلى أمك على بلاهته وبلاهة أمه ، وأنها كانت محمقة ، فصارا مفتقرين إلى السلام فيسلمان به من الآفات اهـ . وفيه مع ما سبق أن تقدير السلام غير متعين في المقام ، إذ يمكن أن يقال : معناه عليك وعلى أمك الملام من جهة عدم التعلم والإعلام ، وليس المراد به رد السلام ، بل القصد زجره عن هذا الكلام الواقع في غير المرام .

قال النووي : إذا قال العاطس لفظا آخر غير الحمد لله لم يستحق التشميت . قلت : والظاهر أنه إذا سلم كذلك لم يستحق الجواب ؛ لأنه وقع سلامه في غير صوب الصواب والحاصل أنه - صلى الله عليه وسلم - لما زجره ومزج من كلامه الحق بطيب حلاوة مزجه الصدق ، نصح وأفاد وعم العباد . ( فقال : إذا عطس أحدكم فليقل ) أي : استحبابا ( الحمد لله رب العالمين ) أي : مثلا ( وليقل له من يرد عليه ) أي : وجوبا ( يرحمك الله ) أي : مثلا ( وليقل ) أي : العاطس ندبا ( يغفر الله لي ولكم ) أي : مثلا ، وقال : الأولى أن يجمع بينه وبين قوله : يهديكم الله ويصلح بالكم . ( رواه الترمذي ، وأبو داود ) .




الخدمات العلمية