الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4826 - وعن أم كلثوم - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا " . متفق عليه .

التالي السابق


4826 - ( وعن أم كلثوم ) : بضم الكاف وقد صرح به المغني وفي نسخة بفتحها ، ففي القاموس : أم كلثوم - كزنبور - بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهـ . والمراد بها هنا بنت عقبة بن أبي معيط ، أسلمت بمكة وهاجرت ماشية وبايعت ، و لم يكن لها بمكة زوج ، فلما قدمت المدينة تزوجها زيد بن حارثة ، فقتل عنها في غزوة مؤتة ، فتزوجها الزبير بن العوام ثم طلقها ، فتزوجها عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له إبراهيم وحميدا ، ومات عنها ، فتزوجها عمرو بن العاص ، فمكثت عنده شهرا وماتت ، وهي أخت عثمان بن عفان لأمه ، روى عنها ابنها حميد . ( قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الكذاب ) : بالرفع على أنه اسم ليس ، وفي نسخة بالنصب على أنه خبرها مقدم على اسمها ، وهو أظهر دراية ؛ لأنه المحكوم به والمحكوم عليه ، قوله : ( الذي يصلح بين الناس ) : ثم الظاهر أن الفعال هنا للنسبة كلبان وتمار ، أي : ذي كذب كما قيل في قوله تعالى : وما ربك بظلام ، أي : بذي ظلم إذ لا يلزم من نفي المبالغة انتفاء أصل الفعل ، والمعنى : من كذب ليصلح بين الناس لا يكون كاذبا مذموما ( ويقول خيرا ) أي : قولا متضمنا للخير دون الشر ، بأن يقول للإصلاح مثلا بين زيد وعمرو : يا عمرو يسلم عليك زيد ويمدحك ويقول : أنا أحبه وكذلك يجيء إلى زيد ويبلغه من عمرو مثل ما سبق . ( وينمي خيرا ) أي يبلغه ويرفعه إليه ، هذا وأغرب الطيبي قوله : اللام في الكذاب إشارة إلى الكذاب المعهود الذي في الحديث السابق ونحوه يعني الكذاب المذموم عند الله تعالى الممقوت عند المسلمين ليس من يصلح ذات البين ، فإنه محمود عند الله تعالى وعندهم ، فعلى هذا يجب أن يكون الكذاب مرفوعا على أنه اسم ليس ، وقوله : " الذي يصلح " خبره خلافا لمن زعم أن الكذاب خبر ليس والذي اسمه اهـ .

[ ص: 3031 ] ووجه غرابته أنه لا يلزم من سبق الحديث السابق في الكتاب صدوره من صدر صدر الأنبياء أولا في هذا الباب ، أو وقوعه عند هذا الخطاب والله أعلم بالصواب ، ثم في النهاية يقال : نميت الحديث وأنميته إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير ، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة . قلت : نميته بالتشديد هكذا . قال أبو عبيد وابن قتيبة وغيرهما من العلماء ، قلت فقوله : خيرا أي : حديث خير للتأكيد وعلى إرادة التجريد ، وقال الحربي : نمى مشددة وأكثر المحدثين يقولها مخففة ، وهذا لا يجوز ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلحن ، ومن خفف لزمه أن يقول خير بالرفع . قال صاحب النهاية : وهذا ليس بشيء فإنه ينتصب بنمى كما انتصب بقال ، وكلاهما على زعمه لازمان ، وإنما نمى متعد يقال : نميت الحديث أي : رفعته وأبلغته اهـ . وفي القاموس : نما ينمو زاد كنمى ينمي نميا . وأنمى ونمى الحديث : ارتفع . ونميته ونميته : رفعته وعزوته ، وأنماه أذاعه على وجه النميمة ( متفق عليه ) : ولفظ الجامع : " ليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيرا " رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي ، عن أم كلثوم بنت عقبة ، والطبراني عن شداد بن أوس .




الخدمات العلمية