الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4831 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرون ، وإن من المجانة أن يعمل الرجل عملا بالليل ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه " . متفق عليه . وذكر حديث أبي هريرة : " من كان يؤمن بالله " في باب الضيافة .

التالي السابق


4831 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى ) : هكذا في جميع نسخ المشكاة وهو اسم مفعول من عافاه الله أي : أعطاه الله العافية والسلامة من المكروه ، وقال النووي في شرح مسلم : معافاة بالهاء في آخره ، هكذا هو في معظم النسخ والأصول المعتمدة . قال الطيبي : وفي نسخ المصابيح معافى بلا هاء ، وعلى هذا ينبغي أن يكتب ألفه بالياء فيكون مطابقا للفظ " كل " ، كما ورد : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " . ( إلا المجاهرون ) بالرفع في جميع نسخ المشكاة . قال التوربشتي : كتب مرفوعا في نسخ المصابيح وحقه النصب على الاستثناء . قال الأشرف : هو مستثنى من قوله : معافى ، وهو في معنى النفي ، أي : كل أمتي لا ذنب عليهم إلا المجاهرون ، وأورد الحافظ أبو موسى في مجموعه المغيث إلا المجاهرين بالنصب على الأصل ، وهكذا أورده في النهاية .

قال الطيبي : والأظهر أن يقال : كل أمتي يتركون عن الغيبة إلا المجاهرون ، كما ورد : من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له والعفو : الترك ، وفيه معنى النفي ، ونحوه قوله تعالى : ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، والمجاهرون هم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها ، وكشفوا ما ستر الله عليهم منها فيتحدثون ، يقال : جهر وجاهر وأجهر . أقول : قول الأشرف : كل أمتي لا ذنب عليهم لا يصح على إطلاقه ، بل المعنى : كل أمتي لا يؤاخذون أو لا يعاقبون عقابا شديدا إلا المجاهرون ، وأما ما ذكره الطيبي من التقييد بالغيبة ، فلا دلالة للحديث عليه ، ولا عبرة بعنوان الباب كما لا يخفى على أولي الألباب ، بل في نفس الحديث ما يؤيد ما ذكرناه ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - على طريق الاستئناف البياني : ( وإن من المجانة ) : بفتح الميم وخفة الجيم مصدر مجن يمجن من باب نصر ، وهي أن لا يبالي الإنسان بما صنع ولا بما قيل له من غيبة ومذمة ونسبة إلى فاحشة ( أن يعمل الرجل بالليل ) أي : مثلا ( عملا ) أي :

[ ص: 3035 ] من أعمال المعصية ( ثم يصبح ) : بالنصب وفي نسخة بالرفع أي : ثم هو يدخل في الصباح ( وقد ستره الله ) أي : عمله عن الناس أو ستره ولم يعاقبه في ليله حتى عاش إلى النهار ( فيقول ) بالنصب ويرفع أي فينادي صاحبا له ( يا فلان عملت البارحة ) أي : في الليلة الماضية ( كذا وكذا ) أي : من الأعمال السيئة ( وقد بات ) أي : والحال أن الرجل العاصي دام في ليله ( يستره ربه ) أي : عن غيره ، ولم يكشف حاله بالعقوبة ( ويصبح ) أي : الرجل مع ذلك ( يكشف ) : خبر يصبح أي : يرفع ويزيل ( ستر الله عنه ) . هو بكسر السين بمعنى السترة والحجاب ، وفي نسخة بفتحها وهو مصدر ، والمقصود غاية الاستغراب ؛ ولذا وقع في الكلام نوع من الإطناب ( متفق عليه ) . وفي الجامع الصغير بلفظ : " كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من الجهار ، أن يعمل الرجل " الحديث ، لكن بدون يا فلان رواه الشيخان عنه . ورواه الطبراني في الأوسط عن أبي قتادة ولفظه : " كل أمتي معافى إلا المجاهر الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه ثم يصبح فيقول : يا فلان ! إني عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عز وجل " قال المؤلف " .

( وذكر حديث أبي هريرة : من كان يؤمن بالله ) أي : واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ( في باب الضيافة ) . أي : في حديث طويل ذكر فيه وسببه أن صدره مناسب لذلك الباب ، فيكون إسقاطه هنا للتكرير فكلامه للاعتذار ، لكنه متضمن لنوع من الاعتراض .




الخدمات العلمية