الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4838 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ما النجاة ؟ فقال : " أملك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك " رواه أحمد ، والترمذي .

التالي السابق


4838 - ( وعن عقبة بن عامر ) أي : الجهني ( قال : لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ما النجاة ؟ ) أي : ما نجاة هذا الأمر حتى نتعلق به ، أو ما الخلاص عن الآفات حتى أحترس به ؟ ( فقال : أملك عليك لسانك ) بفتح الهمزة وكسر اللام أي : احفظ لسانك عما ليس فيه خير كما قاله شارح ، والأظهر أن معناه أمسك لسانك حافظا عليك أمورك ، مراعيا لأحوالك ، ففيه نوع من التضمين ، وفي النهاية أي : لا تجره إلا بما يكون لك لا عليك اهـ . وهو حاصل المعنى كما لا يخفى . وعن بعضهم أي : اجعل لسانك مملوكا لك فيما عليك وباله وتبعته ، فأمسكه عما يضرك وأطلقه فيما ينفعك اهـ . وهو ناظر إلى أن الصيغة من الثلاثي المجرد ، ففي القاموس ملكه يملكه ملكا مثلثة : احتواه قادرا على الاستبدادية ، وأملكه الشيء إياه تمليكا بمعنى ، لكن النسخ المصححة والأصول المعتمدة بصيغة المزيد مضبوطة ، نعم كتب ميركشاه على هامش كتابه : الظاهر املك بكسر الهمزة من الثلاثي المجرد متعد ، لكن في الأصل صحح من الثلاثي المزيد فيه ، وليس بظاهر ، تأمل .

قلت : لعل الزيادة لزيادة المبالغة في التعدية فتدبر ، هذا وقد قال الطيبي : هذا الجواب من أسلوب الحكيم ، سئل عن حقيقة النجاة ؟ فأجاب عن سببه ؛ لأنه أهم بحاله ، وأولى . وكان الظاهر أن يقول : حفظ اللسان ، فأخرجه على سبيل الأمر الذي يقتضي الوجوب مزيدا للتقرير والاهتمام اهـ . وما فيه من التكلف لا يخفى ، بل من التعسف في حق الصحابي ، فإنه جعل العدول عن معرفته حقيقة النجاة بالنسبة إليه أولى ، فالصواب أن تقدير السؤال ما سبب النجاة بقرينة الجواب ، وقد أشرنا فيما تقدم إلى تقرير تقدير آخر والله أعلم .

( وليسعك ) : بكسر اللام ويسكن ( بيتك ) بأن تسكن فيه ولا تخرج منه إلا لضرورة ، ولا تضجر من الجلوس فيه ، بل تجعله من باب الغنيمة فإنه سبب الخلاص من الشر والفتنة ؛ ولذا قيل : هذا زمان السكوت وملازمة البيوت والقناعة بالقوت إلى أن يموت . قال الطيبي : الأمر في الظاهر وارد على البيت ، وفي الحقيقة على المخاطب أي : تعرض لما هو سبب للزوم البيت من الاشتغال بالله ، والمؤانسة بطاعته ، والخلوة عن الأغيار ( وابك على خطيئتك ) . أي : ابك إن تقدر ، وإلا فتباك نادما على معصيتك فيما سبق من أيام حياتك . قال الطيبي : ضمن بكى معنى الندامة ، وعداه بعلى أي : اندم على خطيئتك باكيا . ( رواه أحمد والترمذي ) روى ابن نافع والطبراني عن الحارث بن هشام صدر الحديث فقط ، وهو : أملك عليك لسانك .




الخدمات العلمية