الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4897 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبده ، فقولوا : عبد الله ورسوله " . متفق عليه .

التالي السابق


4897 - ( وعن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تطروني ) بضم أوله وأصله لا تطريون من الإطراء ، وهو المبالغة في المدح والغلو في الثناء ( كما أطرت النصارى ابن مريم ) أي : مثل إطرائهم إياه ، مفهومه أن إطراءه من غير جنس إطرائهم جائز ، ولله در صاحب البردة ; حيث قال : دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

وفي شرح السنة : وذلك أن النصارى أفرطوا في مدح عيسى عليه السلام وإطرائه بالباطل ، وجعلوه ولدا لله تعالى ، فمنعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطروه بالباطل . قال الطيبي : وفي العدول عن عيسى والمسيح إلى ابن مريم تبعيدا له عن الألوهية ، يعني : بالغوا في المدح والإطراء والكذب بأن جعلوا من جنس النساء الطوامث إلها أو ابنا له . اهـ . ولكون اليهود بالغوا في قدح المسيح والنصارى في مدحه قال تعالى : ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ، فالحق هو الوسط العدل ، كما بينه سبحانه بقوله : إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، والمعنى أنه عبد الله ورسوله ; لأن كونه ابن مريم يدل على أنه عبده وابن أمته ، كما أشار إليه بقوله : كانا يأكلان الطعام ، أي : يبولان ويغوطان ، ويحتاجان إلى الأكل والشرب ، فلا يصلحان للألوهية ولا مناسبة لهما بالربوبية ، وإنما شأنهما العبودية ( فإنما أنا عبده ) أي : الخاص في مقام الاختصاص ، وهو في الحقيقة أفضل مدح عند الفاضل الكامل ، كما قال القائل

: لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أفضل أسمائيا



[ ص: 3072 ] ولذا ذكره الله سبحانه في مواضع من كتابه بهذا الوصف المنيع والفضل البديع ، منها في مقام الإسراء سبحان الذي أسرى بعبده ، ومنها في مقام إنزال الكتاب : تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ، وفيه إشارة لطيفة وبشارة شريفة أن العناية الربوبية باعتبار غاية العبودية . ( فقولوا عبد الله ورسوله ) أي : لتميزه به عن بقية عبيده ، وفي ذكرهما أيضا إيماء إلى مبدأ حالته ومنتهى غايته ، وكان إياس الخاص أخذ حظ من هذا الاختصاص ، وشرحه يطول ولا يرضى به الملول . ( متفق عليه ) : قال ميرك : رواه البخاري ، والترمذي في الشمائل ، كذا قاله الشيخ الجزري ، فتأمل في قول المصنف : متفق عليه .




الخدمات العلمية