الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

4925 - عن ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " . رواه ابن ماجه .

التالي السابق


الفصل الثاني

4925 - ( عن ثوبان ) أي : مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرد القدر ) بفتح الدال وقد يسكن أي : القضاء المعلق ( إلا الدعاء ) ، أي : المستجاب المحقق ( ولا يزيد في العمر ) بضمتين ، وهو الأفصح وبضم فسكون أي : أيام الحياة الفانية التي خلقت لعمارة الحياة الباقية ( إلا البر ) ، كما روي أن الدنيا مزرعة الآخرة ، فالدنيا معمر والآخرة معبر . قال التوربشتي : يحتمل أن يكون المراد بالقدر أمرا لولا الدعاء لكان مقدرا وبالعمر ما لولا البر لكان قصيرا ، وهو القضاء المعلق في اللوح المحفوظ المكشوف لملائكته ، وبعض خلص عباده من أنبيائه وأوليائه ، لا من القضاء المبرم المتعلق به علم الله المعبر عنه بأم الكتاب في قوله تعالى : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ، فيكون الدعاء والبر سببين من أسباب ذلك ، وهما

[ ص: 3088 ] مقدران أيضا كتقدير حسن الأعمال وسيئها اللذين من أسباب السعادة والشقاوة ، مع أنهما مقدران أيضا ، أو المراد برد القدر تسهيل للأمر المقدور عليه حتى يصير كأنه قد رد ، والمراد بزيادة العمر البركة فيه ، ففي شرح السنة ذكر أبو حاتم السجستاني في معنى الحديث أن دوام المرء على الدعاء يطيب له ورود القضاء ، فكأنما رده والبر يطيب له عيشه ، فكأنما زيد في عمره ، والذنب يكدر عليه صفاء رزقه إذا فكر في عاقبة أمره فكأنما حرمه . ( وإن الرجل ليحرم ) : بصيغة المفعول وقوله : ( الرزق ) : بالنصب على أنه مفعول ثان ، والمعنى : ليصير محروما من الرزق ( بالذنب ) أي : بسبب ارتكابه ( يصيبه ) أي : حال كونه يصيب الذنب ويكتسبه . قال المظهر : له معنيان أحدهما : أن يراد بالرزق ثواب الآخرة ، وثانيهما : أن يراد به الرزق الدنيوي من المال والصحة والعافية ، وعلى هذا إشكال فإنا نرى الكفار والفساق أكثر مالا وصحة من الصلحاء ، والجواب أن الحديث مخصوص بالمسلم يريد الله به أن يرفع درجته في الآخرة ، فيعذبه بسبب ذنبه الذي يصيبه في الدنيا . قلت : وهذا أيضا من القضاء المعلق ; لأن الآجال والآمال والأخلاق والأرزاق كلها بتقديره وتيسيره . ( رواه ابن ماجه ) : وكذا ابن حبان والحاكم في صحيحيهما ، والبغوي في شرح السنة ذكره ميرك . وفي الجامع الصغير : " لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " . رواه الترمذي والحاكم عن سلمان ، وفي الحصن : " لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " . رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم في مستدركه . قال ميرك : رواه الترمذي ، وابن ماجه عن سلمان ، والباقيان عن ثوبان ، لكن في روايتهما : لا يرد القدر ، كما نقله صاحب السلاح عنهما . وفي الترغيب للمنذري عن ثوبان كما في أصل المشكاة ، وقال : رواه ابن حبان والحاكم واللفظ له ، وقال : صحيح الإسناد ، والله أعلم .




الخدمات العلمية