الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4945 - وعن أبي بكره - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كل الذنوب يغفر الله منها ما يشاء إلا عقوق الوالدين ، فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات " .

التالي السابق


4945 - ( وعن أبي بكره ) : بالهاء - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل الذنوب ) أي : جميع أنواع المعاصي ما عدا الشرك ( يغفر الله منها ) أي : من جملتها ( ما شاء ) فـ ( من ) تبعيضية ، والأظهر أنها مبينة مقدمة ( إلا عقوق الوالدين ، فإنه ) أي : إليه ( يعجل ) أي : الله ( لصاحبه ) أي : لمرتكب العقوق جزاء ذنبه ( في الحياة قبل الممات ) أي : فلا يؤخر إلى يوم القيامة ، واللام عوض عن المضاف إليه أي : في حياة العاق قبل مماته ، ويمكن أن يكون التقدير في حياة الوالدين قبل مماتهما ، ثم يحتمل أن يكون في معناهما سائر حقوق العباد ; ولأن مثل هذا الوعيد أيضا ورد في حق أهل الظلم والبغي بغير الحق ، هذا وقال الطيبي : إن ( من ) تبعيضية منصوبة المحل مفعول ( يغفر ) مجازا و ( ما شاء ) بدل منه ، ويجوز أن تتعلق بيغفر وتكون ابتدائية ، و ( ما شاء ) مفعول ، ومعنى الشمول في الكل الاستغراق ، يعني كل فرد من أفراد الذنوب مغفورا إذا تعلقت مشيئة الله تعالى به إلا عقوق الوالدين ، وهذا وارد على سبيل التغليظ والتشديد ، ومفعول يعجل محذوف أي : العقوبة يدل عليه سياق الكلام . اهـ .

[ ص: 3099 ] وتبعه ابن الملك ، لكن في عبارتهما خطأ فاحشا إذ مفهومه أن مغفرة عقوق الوالدين مستثنى ، ولو تعلقت بها مشيئة الله تعالى ، وليس كذلك فإيراد ما شاء في الحديث إنما هو لإخراج الشرك فقط . قال تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فالصواب أن معناه : كل فرد من أفراد الذنوب التي قد يتعلق به مشيئة الله تعالى مغفور إلا عقوق الوالدين ، فإن الغالب أن لا يتعلق به مشيئة المغفرة . وفي هذا أوفى زجر وتهديد ، ولا يصح أن يقال : التقدير إلا عقوقهما ، فإنه لا يتعلق به المشيئة مطلقا ، وحينئذ يكون واردا على سبيل الوعيد والتشديد ; لأن كلامه - صلى الله عليه وسلم - لا يحمل على ما يكون ظاهره مناقضا لكلامه سبحانه ، وقد أخبر بأن مشيئته تتعلق بما عدا الشرك .




الخدمات العلمية