الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5005 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه ، قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه . فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه . قال : فيبغضونه ، ثم يوضع له البغضاء في الأرض " . رواه مسلم .

التالي السابق


5005 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا أحب عبدا ) أي : إذا أراد إظهار محبته لعبد من عباده وهي إما من صفات الذات فمعناها إرادة الخير ، أو من صفات الأفعال فهي بمعنى إكرامه له وإحسانه له وإنعامه عليه ( دعا جبريل ) : يدل على جلالته من حيث خصه من بين أفراد الملائكة ، فيكون أفضل من إسرافيل وميكائيل ، وسائر حملة العرش والملائكة المقربين ، ويحتمل أن يكون وجه تخصيصه لكونه سفيرا بين الله ورسله المبعوثين إلى المخلوقين ( فقال ) أي : الله ( إني أحب فلانا ) : وفي عدم ذكر سبب لمحبته من أوصاف عبده إشارة إلى أن أفعاله تعالى مبرأة عن الأغراض والعلل ، بل يترتب على محبته تعالى محبة العبد إياه بسلوك سبيله واتباع رسله ، ودوام اشتغاله بذكره ودعائه وثنائه والشوق إلى رضائه ولقائه . ( فأحبه ) أي : أنت أيضا زيادة لإكرام العبد ، وإلا فكفى بالله محبا ومحبوبا وطالبا ومطلوبا وحامدا ومحمودا .

( قال ) أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فيحبه جبريل ) أي : ضرورة عدم عصيانه أمر ربه فيحبه لحبه ، وهذا من المحبة في الله أي : لا يحبه لغرض سوى مرضاة مولاه ، ومحبة جبريل دعاؤه واستغفاره له ، والميل إلى الاجتماع به ونحو ذلك . ( ثم ينادي ) أي : جبريل بأمر الملك الجليل ( في السماء ) أي : في أهل السماء كما في قرينته الآتية ، [ ص: 3133 ] والمعنى بحيث يصل بسماع كلامه إلى أهلها كلها ( فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ) أي : جميعهم ( ثم يوضع له القبول ) : وهو من آثار المحبة ، ثم هذا الوضع ابتداء من جبريل أو غيره . ( في الأرض ) أي : في قلوب أهلها من أهل المحبة ، فلا يرد أن كثيرا من الأولياء ليس لهم قبول عند أهل الدنيا ; لأن العبرة بخواص الأنام لا بالعوام كالأنعام . ( وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه . فيبغضه جبريل ) .

قال النووي : محبة الله العبد هي إرادة الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته ، وبغضه إرادة عقوبته وشقاوته ونحو ذلك ، وحب جبريل والملائكة يحتمل وجهين : أحدها : استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم له ، وثانيهما : أن محبتهم على ظاهرها المعروفة من المخلوقين ، وهو ميل القلب إليه ، واشتياقه إلى لقائه ، قلت : هذا هو الأظهر ; لأنه متى صح حمل اللفظ على معناه الحقيقي فلا وجه للعدول عنه إلى المجاز ، مع أن المعنى الأول متفرع على الثاني . قال : وسبب حبهم إياه كونه مطيعا لله محبوبا له . قلت : مطيعا إما سابقا أو لاحقا ، كما حقق في مرتبتي السالك والمجذوب والمريد والمراد . قال : ومعنى يوضع له القبول في الأرض الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه ، فتميل إليه القلوب وترضى عنه ، وقد جاء في رواية فتوضع له المحبة . قال الطيبي : والكلام في المحبة وبيان اشتقاقها مضى مستوفى في أسماء الله الحسنى ، قلت : وبقي كثير محله كتاب الإحياء . ( ثم ينادي ) أي : جبريل ( في أهل السماء : إن الله ) : بالكسر على إضمار القول عند البصريين وعند الكوفيين ، على أن في النداء معنى القول ذكره ابن الملك ويحتمل أن يكون بالفتح كما في بعض النسخ على إضمار الباء كما ذكره المفسرون في قوله تعالى : فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله فإن جمهور القراء فيه على الفتح ، وقد يفرق بينهما بأن ( إن ) إذا كانت مكسورة تكون من جملة المنادى ، بخلاف ( ما ) إذا كانت مفتوحة وأصله أنه سبحانه ( يبغض فلانا فأبغضوه ) : وفيه إشعار بأن الملأ الأعلى ليس لهم شعور بمحبوبه تعالى ومبغوضه إلا بإعلامه إياهم ، ثم مثل هذا المحبوب والمبغوض لا ينقلب حكمه ، لئلا يلزم خلف في إخباره تعالى ( قال : فيبغضونه ، ثم يوضع له البغض في الأرض رواه مسلم ) .

وفي الدر المنثور عند قوله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ، أخرج الحكيم الترمذي ، وابن مردويه عن علي قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : ( سيجعل لهم الرحمن ودا ) ما هو ؟ قال : " المحبة في صدور المؤمنين ، والملائكة المقربين يا علي ! إن الله أعطى المقت والمحبة والحلاوة والمهابة في صدور الصالحين " . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وهناد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس : ( سيجعل لهم الرحمن ودا ) قال : يحبهم ويحببهم . وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أحب الله عبدا نادى جبريل عليه السلام : إني قد أحببت فلانا فأحبه ، فينادي في السماء ، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض ، فذلك قول الله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل : إني قد أبغضت فلانا فينادي في أهل السماء ، ثم ينزل له البغضاء في الأرض اهـ . فحديث المشكاة متفق عليه في المعنى .




الخدمات العلمية