فصل الصحو
قال صاحب المنازل : ( باب الصحو ) قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير .
وجه استدلاله بإشارة الآية : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28425الله سبحانه إذا تكلم بالوحي صعقت الملائكة ، وأخذهم شبه الغشي من تكلم الرب جل جلاله ، فإذا كشف الفزع عن قلوبهم ، وخلى عنها ، وأفاقوا من ذلك الغشي ، قال بعضهم لبعض : ماذا قال ربكم ؟ فيستخبر كل أهل سماء من يليهم ، حتى ينتهي الأمر إلى أهل السماء السابعة ، فيسألون
جبريل : يا
جبريل ، ماذا قال ربنا ؟ فيقول : قال الحق . وهو العلي الكبير .
قال : الصحو : فوق السكر ، وهو يناسب مقام البسط ، والصحو : مقام صاعد عن الانتظار ، مغن عن الطلب ، طاهر من الحرج ، فإن السكر إنما هو في الحق ، والصحو إنما هو بالحق ، كل ما كان في عين الحق لم يخل من حيرة ، لا حيرة الشبهة ، بل حيرة مشاهدة نور العزة ، وما كان بالحق لم يخل من صحة . ولم تحف عليه نقيصة ، ولم تتعاوره علة .
والصحو : من منازل الحياة ، وأودية الجمع ، ولوائح الوجود .
قوله : " الصحو فوق السكر " يعني : أن السكر يكون في الانفصال . والصحو في
[ ص: 296 ] الاتصال ، وأيضا فالسكر فناء ، والصحو بقاء .
وأيضا فالسكر غيبة والصحو حضور ، وأيضا فالسكر غلبة والصحو تمكن ، وأيضا فالسكر كالنوم والصحو كاليقظة .
وبعضهم يفضل مقام السكر على مقام الصحو ويقول : لولا البقية التي بقيت فيه لما صحا ، وينشد متمثلا :
ومهما بقى للصحو فيك بقية يجد نحوك اللاحي سبيلا إلى العذل
وهذا غلط محض ، لما ذكرنا . نعم السكر فوق الصحو الفارغ ، والسكران بالمحبة خير من الصاحي منها ، والصاحي بها خير من السكران فيها .
قوله : " وهو يناسب مقام البسط " وجه المناسبة بينهما ؛ أن الانبساط لا يكون إلا مع الصحو ، وإلا فالسكر لا يحتمل الانبساط .
قوله : " والصحو مقام صاعد عن الانتظار " يعني : انتظار الحضور فإن الصاحي متمكن في الحضور ؛ ولذلك أشبه مقامه مقام البسط ، فالصحو أعلى من أن يصحبه الانتظار ؛ لأن صاحبه قد اتصل ، فهو لا ينتظر الاتصال ، ولذلك قال : مغن عن الطلب ، فإن الطالب إنما يطلب الوصول إلى مطلوبه ، وهذا قد اتصل ، فصحوه مغن له عن طلبه .
وهذا الكلام ليس على إطلاقه ، فإن الطلب لا يفارق العبد ما دامت الحياة تصحبه ، نعم ؛ صحوه مغن عن طلب حظ من حظوظه ، وأما طلب محاب محبوبه ومراضيه فهو أكمل ما يكون لها طلبا .
فإن قيل : إن مراد الشيخ : أنه مغن عن التوجه والسلوك ، فإنه واصل ، والسالك لا يزال في الطريق .
قلت : العبد لا يزال في الطريق حتى يلحق الله تعالى . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=99واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وهو الموت بإجماع أهل العلم كلهم . قال
الحسن : لم يجعل الله لعباده المؤمنين أجلا دون الموت .
وتقسيم أبناء الآخرة إلى طالب وسالك وواصل صحيح باعتبار ، فاسد
[ ص: 297 ] باعتبار ، فكأنهم جعلوا السير إلى الله تعالى بمنزلة السير إلى بيته ،
nindex.php?page=treesubj&link=30486_30485_29550فالناس ثلاثة : طالب للسفر ، ومسافر في الطريق ، وواصل إلى البيت .
وهذا موضع زلت فيه أقدام ، وضلت فيه أفهام ، ولا بد من تحقيقه .
فنقول وبالله التوفيق ، ومنه الاستمداد وهو المستعان :
هذا المثال غير مطابق ، فإن الوصول إلى البيت هو غاية الطريق ، فإذا وصل فقد انقطعت طريقه ، وانتهى سفره ، وليس كذلك الوصول إلى الله ، فإن العبد إذا وصل إلى الله جذبه سيره ، وقوي سفره ،
nindex.php?page=treesubj&link=30491_30489_29550فعلامة الوصول إلى الله : الجد في السير ، والاجتهاد في السفر ، وهذا الموضع هو مفرق الطريقين بين الموحدين والملحدين ، فالملحد يقول : السفر وسيلة ، والاشتغال بالوسيلة بعد الوصول إلى الغاية بطالة ، ومتى وصل العبد سقطت عنه أحكام السفر ، وصار كما قيل :
فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
ودعي بعض هؤلاء إلى الصلاة ، وقد أقيمت ، فقال :
يطالب بالأوراد من كان غافلا فكيف بقلب كل أوقاته ورد
وقيل لملحد آخر منهم : ألا تصلي ؟ فقال : أنتم مع أورادكم ، ونحن مع وارداتنا ، وهؤلاء هم الذين صاح بهم أئمة الطريق ، وأخرجوهم من دائرة الإسلام ، وقال بعضهم : نعم وصلوا ولكن إلى الشيطان لا إلى الرحمن ، وقال آخر : وصلوا ولكن إلى سقر .
فكل واصل إلى الله : فهو طالب له ، وسالك في طريق مرضاته .
نعم ؛ بداية الأمر الطلب ، وتوسطه السلوك ، ونهايته الوصول ، وسيأتي بيان حقيقة الوصول الذي يشير إليه القوم في الباب الذي يلي هذا ، إن شاء الله تعالى .
والمقصود : أن قوله : " مغن عن الطلب " كلام يحتاج إلى تأويل ، وحمل على معنى يصح ، فإما أن يحمل على أنه مغن عن تكلف الطلب ، فلا يريد هذا على هذا المعنى .
وإما أن يحمل على أنه مغن عن رؤيته ، وهذا أقرب ، ولكن لا يريده .
وإما أن يحمل على أنه قد وصل إلى مشاهدة الأولية ، حيث تنطوي الأكوان والأسباب ، ولا يبقى للطلب تأثير ألبتة ، فإنه من عين الجود ، وحصول المطلوب لم يكن موقوفا عليه ولا به ، وإنما هو ممن وجود كل شيء به وحده ، فهو الموجد والمعد
[ ص: 298 ] والممد ، وبيده الأسباب وسببيتها وقواها وموانعها ومعارضها ، فالأمر كله له وبه ، ومصيره إليه ، فهذا معنى صحيح في نفسه ، ولكن صاحب هذا المقام لا يستغني عن الطلب .
قوله : " طاهر من الحرج " أي : خال منه ، لا حرج عليه ؛ لأنه قائم بوظائف العبودية في سكره وصحوه .
قوله : " فإن السكر إنما هو في الحق ، والصحو إنما هو بالحق " .
يريد : أن السكر إنما هو في محبته والشوق إليه ، فقلبه مستغرق في الحب ، والصحو إنما هو بالحق ؛ أي : بوجوده ، وهذا كلام يحتاج إلى شرح وبيان وعبارة وافية ، فنقول والله المستعان :
nindex.php?page=treesubj&link=30514المحب له حالتان : حالة استغراق في محبة محبوبه ، كاستغراق صاحب السكر في سكره ، وذلك عند استغراقه في شهود جماله وكماله ، فلا يبقى فيه متسع لسواه ، ولا فضل لغيره ، فإذا رآه من لم يعرف حاله : ظنه سكرا ، فهذا استغراق في محبوبه وصفاته ونعوته .
الحالة الثانية : حالة صحو ، يفيق فيها على عبوديته والقيام بمرضاته ، كالمسارعة إلى محابه ، فهو في هذا الحال به ؛ أي : متصرف في أوامره ومحابه به ، ليس غائبا عنه بأوامره ، ولا غائبا به عن أوامره ، فلا يشغله واجب أو أمر وحقوقه عن واجب محبته ، والإنابة إليه ، والرضا به ، ولا يشغله واجب حبه عن أوامره ، بل هو مقتد بإمام الحنفاء
إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه كان في أعلى مقامات المحبة وهي الخلة ولم يشغله ذلك عن القيام بخصال الفطرة من الختان ، وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، فضلا عما هو فوق ذلك ، فوفى المقامين حقهما ، ولهذا أثنى الله عليه بذلك ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=37وإبراهيم الذي وفى .
قوله : وكلما كان في عين الحق لم يخل من حيرة .
يريد بذلك : تفضيل مقام الصحو على مقام السكر ، ورفعه عليه ، وأن السكر لما كان في عين الحق كان مستلزما لنوع من الحيرة ، ثم استدرك فقال : " لا حيرة الشبهة " فإنها تنافي أصل عقد الإيمان ، " ولكن حيرة مشاهدة أنوار العزة " وهي دهشة تعتري الشاهد لأمر عظيم جدا ، لا عهد له بمثله ، بخلاف مقام " الصحو " فإنه لقوته
[ ص: 299 ] وثباته وتمكنه لا يعرض له ذلك .
وحاصل كلامه : أن من كان ناظرا في عين الحقيقة لزمته الحيرة ، وهي حيرة مشاهدة أنوار العزة ، لا حيرة من ضل عن طريق مقصوده ، فإن الشبهة هي اشتباه الطريق على السالك ، بحيث لا يدري أعلى حق هو أم على باطل ؟ وقد تقدم بيان أن مشاهدة نور الذات المقدسة في هذه الدار محال ، فلا نعيده .
قوله : وما كان بالحق لم يخل من صحة ، ولم تحف عليه نقيصة ، ولم تتعاوره علة ، هذا تقرير منه لرفع مقام الصحو على مقام السكر فإنه لما كان بالله كان محفوظا محروسا من النفس والشيطان اللذين هما مصدر كل باطل ، وهذا الحفظ هو معنى قوله " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها " فأين الباطل هاهنا ؟ ثم قال : " فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش ، وبي يمشي " تحقيقا لحفظ سمعه وبصره وبطشه ومشيه .
قوله : " ولم تتعاوره علة " التعاور : الاختلاف ؛ أي : لم تتخالف عليه العلل ، والعلل ملاحظة الأغيار ، وطاعة القلب للسوى ، وإجابته لداعيه .
قوله : "
nindex.php?page=treesubj&link=30514والصحو من منازل الحياة ، وأودية الجمع ، ولوائح الوجود " هذا تقرير أيضا لرفع مقامه على مقام السكر ، وقد تقدم ذكر الحياة ومراتبها وأقسامها .
nindex.php?page=treesubj&link=30495والمناسبة بين الصحو والحياة : أن الحياة هي المصححة لجميع المقامات والأحوال ، فهي التي ترمي على جميعها كما ترمي الأودية أمواهها على البحار .
قوله : " وأودية الجمع " الجمع يراد به جمع الوجود ، وجمع الشهود ، وجمع الإرادة ، فالأول : جمع أهل الإلحاد الاتحادية . والثاني : جمع أهل الفناء . والثالث : جمع الرسل وورثتهم ، كما سيأتي تفصيل ذلك في باب الجمع إن شاء الله تعالى ، فالصحو من أودية الجمع العالي لا النازل ولا المتوسط .
قوله : " ولوائح الوجود " اللوائح جمع لائحة ، وهي ما يلوح لك كالبرق وغيره ، وسيأتي الكلام على الوجود الذي الصحو من لوائحه في بابه إن شاء الله تعالى .
فَصْلُ الصَّحْوِ
قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ : ( بَابُ الصَّحْوِ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ .
وَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ بِإِشَارَةِ الْآيَةِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28425اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ صَعِقَتِ الْمَلَائِكَةُ ، وَأَخَذَهُمْ شِبْهُ الْغَشْيِ مِنْ تَكَلُّمِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ ، فَإِذَا كَشَفَ الْفَزَعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ، وَخَلَّى عَنْهَا ، وَأَفَاقُوا مِنْ ذَلِكَ الْغَشْيِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ فَيَسْتَخْبِرُ كُلُّ أَهْلِ سَمَاءٍ مَنْ يَلِيهِمْ ، حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَيَسْأَلُونَ
جِبْرِيلَ : يَا
جِبْرِيلُ ، مَاذَا قَالَ رَبُّنَا ؟ فَيَقُولُ : قَالَ الْحَقَّ . وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ .
قَالَ : الصَّحْوُ : فَوْقَ السُّكْرِ ، وَهُوَ يُنَاسِبُ مَقَامَ الْبَسْطِ ، وَالصَّحْوُ : مَقَامٌ صَاعِدٌ عَنْ الِانْتِظَارِ ، مُغْنٍ عَنِ الطَّلَبِ ، طَاهِرٌ مِنَ الْحَرَجِ ، فَإِنَّ السُّكْرَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِّ ، وَالصَّحْوَ إِنَّمَا هُوَ بِالْحَقِّ ، كُلُّ مَا كَانَ فِي عَيْنِ الْحَقِّ لَمْ يَخْلُ مِنْ حَيْرَةٍ ، لَا حَيْرَةَ الشُّبْهَةِ ، بَلْ حَيْرَةَ مُشَاهَدَةِ نُورِ الْعِزَّةِ ، وَمَا كَانَ بِالْحَقِّ لَمْ يَخْلُ مِنْ صِحَّةٍ . وَلَمْ تَحِفْ عَلَيْهِ نَقِيصَةٌ ، وَلَمْ تَتَعَاوَرْهُ عِلَّةٌ .
وَالصَّحْوُ : مِنْ مَنَازِلِ الْحَيَاةِ ، وَأَوْدِيَةِ الْجَمْعِ ، وَلَوَائِحِ الْوُجُودِ .
قَوْلُهُ : " الصَّحْوُ فَوْقَ السُّكْرِ " يَعْنِي : أَنَّ السُّكْرَ يَكُونُ فِي الِانْفِصَالِ . وَالصَّحْوُ فِي
[ ص: 296 ] الِاتِّصَالِ ، وَأَيْضًا فَالسُّكْرُ فَنَاءٌ ، وَالصَّحْوُ بَقَاءٌ .
وَأَيْضًا فَالسُّكْرُ غَيْبَةٌ وَالصَّحْوُ حُضُورٌ ، وَأَيْضًا فَالسُّكْرُ غَلَبَةٌ وَالصَّحْوُ تَمَكُّنٌ ، وَأَيْضًا فَالسُّكْرُ كَالنَّوْمِ وَالصَّحْوُ كَالْيَقَظَةِ .
وَبَعْضُهُمْ يُفَضِّلُ مَقَامَ السُّكْرِ عَلَى مَقَامِ الصَّحْوِ وَيَقُولُ : لَوْلَا الْبَقِيَّةُ الَّتِي بَقِيَتْ فِيهِ لَمَا صَحَا ، وَيُنْشِدُ مُتَمَثِّلًا :
وَمَهْمَا بَقَى لِلصَّحْوِ فِيكَ بَقِيَّةٌ يَجِدْ نَحْوَكَ اللَّاحِي سَبِيلًا إِلَى الْعَذْلِ
وَهَذَا غَلَطٌ مَحْضٌ ، لِمَا ذَكَرْنَا . نَعَمِ السُّكْرُ فَوْقَ الصَّحْوِ الْفَارِغِ ، وَالسَّكْرَانُ بِالْمَحَبَّةِ خَيْرٌ مِنَ الصَّاحِي مِنْهَا ، وَالصَّاحِي بِهَا خَيْرٌ مِنَ السَّكْرَانِ فِيهَا .
قَوْلُهُ : " وَهُوَ يُنَاسِبُ مَقَامَ الْبَسْطِ " وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا ؛ أَنَّ الِانْبِسَاطَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الصَّحْوِ ، وَإِلَّا فَالسُّكْرُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْبِسَاطَ .
قَوْلُهُ : " وَالصَّحْوُ مَقَامٌ صَاعِدٌ عَنْ الِانْتِظَارِ " يَعْنِي : انْتِظَارَ الْحُضُورِ فَإِنَّ الصَّاحِيَ مُتَمَكِّنٌ فِي الْحُضُورِ ؛ وَلِذَلِكَ أَشْبَهَ مَقَامُهُ مَقَامَ الْبَسْطِ ، فَالصَّحْوُ أَعْلَى مِنْ أَنْ يَصْحَبَهُ الِانْتِظَارُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدِ اتَّصَلَ ، فَهُوَ لَا يَنْتَظِرُ الِاتِّصَالَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : مُغْنٍ عَنِ الطَّلَبِ ، فَإِنَّ الطَّالِبَ إِنَّمَا يَطْلُبُ الْوُصُولَ إِلَى مَطْلُوبِهِ ، وَهَذَا قَدِ اتَّصَلَ ، فَصَحْوُهُ مُغْنٍ لَهُ عَنْ طَلَبِهِ .
وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ ، فَإِنَّ الطَّلَبَ لَا يُفَارِقُ الْعَبْدَ مَا دَامَتِ الْحَيَاةُ تَصْحَبُهُ ، نَعَمْ ؛ صَحْوُهُ مُغْنٍ عَنْ طَلَبِ حَظٍّ مِنْ حُظُوظِهِ ، وَأَمَّا طَلَبُ مَحَابِّ مَحْبُوبِهِ وَمَرَاضِيهِ فَهُوَ أَكْمَلُ مَا يَكُونُ لَهَا طَلَبًا .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ مُرَادَ الشَّيْخِ : أَنَّهُ مُغْنٍ عَنِ التَّوَجُّهِ وَالسُّلُوكِ ، فَإِنَّهُ وَاصِلٌ ، وَالسَّالِكُ لَا يَزَالُ فِي الطَّرِيقِ .
قُلْتُ : الْعَبْدُ لَا يَزَالُ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى يَلْحَقَ اللَّهَ تَعَالَى . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=99وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ وَهُوَ الْمَوْتُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلِّهِمْ . قَالَ
الْحَسَنُ : لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ .
وَتَقْسِيمُ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ إِلَى طَالِبٍ وَسَالِكٍ وَوَاصِلٍ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارٍ ، فَاسِدٌ
[ ص: 297 ] بِاعْتِبَارٍ ، فَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا السَّيْرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ السَّيْرِ إِلَى بَيْتِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30486_30485_29550فَالنَّاسُ ثَلَاثَةٌ : طَالِبٌ لِلسَّفَرِ ، وَمُسَافِرٌ فِي الطَّرِيقِ ، وَوَاصِلٌ إِلَى الْبَيْتِ .
وَهَذَا مَوْضِعٌ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ ، وَضَلَّتْ فِيهِ أَفْهَامٌ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ .
فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، وَمِنْهُ الِاسْتِمْدَادُ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ :
هَذَا الْمِثَالُ غَيْرُ مُطَابِقٍ ، فَإِنَّ الْوُصُولَ إِلَى الْبَيْتِ هُوَ غَايَةُ الطَّرِيقِ ، فَإِذَا وَصَلَ فَقَدِ انْقَطَعَتْ طَرِيقُهُ ، وَانْتَهَى سَفَرُهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوُصُولُ إِلَى اللَّهِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وَصَلَ إِلَى اللَّهِ جَذَبَهُ سَيْرُهُ ، وَقَوِيَ سَفَرُهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30491_30489_29550فَعَلَامَةُ الْوُصُولِ إِلَى اللَّهِ : الْجِدُّ فِي السَّيْرِ ، وَالِاجْتِهَادُ فِي السَّفَرِ ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ هُوَ مَفْرِقُ الطَّرِيقَيْنِ بَيْنَ الْمُوَحِّدِينَ وَالْمُلْحِدِينَ ، فَالْمُلْحِدُ يَقُولُ : السَّفَرُ وَسِيلَةٌ ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْوَسِيلَةِ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَى الْغَايَةِ بَطَالَةٌ ، وَمَتَى وَصَلَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ السَّفَرِ ، وَصَارَ كَمَا قِيلَ :
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالْإِيَابِ الْمُسَافِرُ
وَدُعِيَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَقَدْ أُقِيمَتْ ، فَقَالَ :
يُطَالِبُ بِالْأَوْرَادِ مَنْ كَانَ غَافِلًا فَكَيْفَ بِقَلْبٍ كُلُّ أَوْقَاتِهِ وِرْدُ
وَقِيلَ لِمُلْحِدٍ آخَرَ مِنْهُمْ : أَلَا تُصَلِّي ؟ فَقَالَ : أَنْتُمْ مَعَ أَوْرَادِكِمْ ، وَنَحْنُ مَعَ وَارِدَاتِنَا ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ صَاحَ بِهِمْ أَئِمَّةُ الطَّرِيقِ ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَعَمْ وَصَلُوا وَلَكِنْ إِلَى الشَّيْطَانِ لَا إِلَى الرَّحْمَنِ ، وَقَالَ آخَرُ : وَصَلُوا وَلَكِنْ إِلَى سَقَرٍ .
فَكُلُّ وَاصِلٍ إِلَى اللَّهِ : فَهُوَ طَالِبٌ لَهُ ، وَسَالِكٌ فِي طَرِيقِ مَرْضَاتِهِ .
نَعَمْ ؛ بِدَايَةُ الْأَمْرِ الطَّلَبُ ، وَتَوَسُّطُهُ السُّلُوكُ ، وَنِهَايَتُهُ الْوُصُولُ ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ حَقِيقَةِ الْوُصُولِ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ الْقَوْمُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ قَوْلَهُ : " مُغْنٍ عَنِ الطَّلَبِ " كَلَامٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ ، وَحَمْلٍ عَلَى مَعْنًى يَصِحُّ ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ مُغْنٍ عَنْ تَكَلُّفِ الطَّلَبِ ، فَلَا يُرِيدُ هَذَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى .
وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ مُغْنٍ عَنْ رُؤْيَتِهِ ، وَهَذَا أَقْرَبُ ، وَلَكِنْ لَا يُرِيدُهُ .
وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى مُشَاهَدَةِ الْأَوَّلِيَّةِ ، حَيْثُ تَنْطَوِي الْأَكْوَانُ وَالْأَسْبَابُ ، وَلَا يَبْقَى لِلطَّلَبِ تَأْثِيرٌ أَلْبَتَّةَ ، فَإِنَّهُ مِنْ عَيْنِ الْجُودِ ، وَحُصُولُ الْمَطْلُوبِ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَلَا بِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّنْ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ بِهِ وَحْدَهُ ، فَهُوَ الْمُوجِدُ وَالْمُعِدُّ
[ ص: 298 ] وَالْمُمِدُّ ، وَبِيَدِهِ الْأَسْبَابُ وَسَبَبِيَّتُهَا وَقُوَاهَا وَمَوَانِعُهَا وَمَعَارِضُهَا ، فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُ وَبِهِ ، وَمَصِيرُهُ إِلَيْهِ ، فَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ ، وَلَكِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْمَقَامِ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الطَّلَبِ .
قَوْلَهُ : " طَاهِرٌ مِنَ الْحَرَجِ " أَيْ : خَالٍ مِنْهُ ، لَا حَرَجَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِوَظَائِفِ الْعُبُودِيَّةِ فِي سُكْرِهِ وَصَحْوِهِ .
قَوْلُهُ : " فَإِنَّ السُّكْرَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِّ ، وَالصَّحْوَ إِنَّمَا هُوَ بِالْحَقِّ " .
يُرِيدُ : أَنَّ السُّكْرَ إِنَّمَا هُوَ فِي مَحَبَّتِهِ وَالشَّوْقِ إِلَيْهِ ، فَقَلْبُهُ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحُبِّ ، وَالصَّحْوَ إِنَّمَا هُوَ بِالْحَقِّ ؛ أَيْ : بِوُجُودِهِ ، وَهَذَا كَلَامٌ يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ وَبَيَانٍ وَعِبَارَةٍ وَافِيَةٍ ، فَنَقُولُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30514الْمُحِبُّ لَهُ حَالَتَانِ : حَالَةُ اسْتِغْرَاقٍ فِي مَحَبَّةِ مَحْبُوبِهِ ، كَاسْتِغْرَاقِ صَاحِبِ السُّكْرِ فِي سُكْرِهِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِهِ فِي شُهُودِ جَمَالِهِ وَكَمَالِهِ ، فَلَا يَبْقَى فِيهِ مُتَّسَعٌ لِسِوَاهُ ، وَلَا فَضْلَ لِغَيْرِهِ ، فَإِذَا رَآهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَهُ : ظَنَّهُ سُكْرًا ، فَهَذَا اسْتِغْرَاقٌ فِي مَحْبُوبِهِ وَصِفَاتِهِ وَنُعُوتِهِ .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : حَالَةُ صَحْوٍ ، يَفِيقُ فِيهَا عَلَى عُبُودِيَّتِهِ وَالْقِيَامِ بِمَرْضَاتِهِ ، كَالْمُسَارَعَةِ إِلَى مَحَابِّهِ ، فَهُوَ فِي هَذَا الْحَالِ بِهِ ؛ أَيْ : مُتَصَرِّفٌ فِي أَوَامِرِهِ وَمَحَابِّهِ بِهِ ، لَيْسَ غَائِبًا عَنْهُ بِأَوَامِرِهِ ، وَلَا غَائِبًا بِهِ عَنْ أَوَامِرِهِ ، فَلَا يَشْغَلُهُ وَاجِبٌ أَوْ أَمْرٌ وَحُقُوقُهُ عَنْ وَاجِبِ مَحَبَّتِهِ ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ ، وَالرِّضَا بِهِ ، وَلَا يَشْغَلُهُ وَاجِبُ حُبِّهِ عَنْ أَوَامِرِهِ ، بَلْ هُوَ مُقْتَدٍ بِإِمَامِ الْحُنَفَاءِ
إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي أَعْلَى مَقَامَاتِ الْمَحَبَّةِ وَهِيَ الْخُلَّةُ وَلَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ عَنِ الْقِيَامِ بِخِصَالِ الْفِطْرَةِ مِنَ الْخِتَانِ ، وَقَصِّ الشَّارِبِ ، وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ ، فَضْلًا عَمَّا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ ، فَوَفَّى الْمَقَامَيْنِ حَقَّهُمَا ، وَلِهَذَا أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=37وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى .
قَوْلُهُ : وَكُلَّمَا كَانَ فِي عَيْنِ الْحَقِّ لَمْ يَخْلُ مِنْ حَيْرَةٍ .
يُرِيدُ بِذَلِكَ : تَفْضِيلَ مَقَامِ الصَّحْوِ عَلَى مَقَامِ السُّكْرِ ، وَرَفْعَهُ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ السُّكْرَ لَمَّا كَانَ فِي عَيْنِ الْحَقِّ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِنَوْعٍ مِنَ الْحَيْرَةِ ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ فَقَالَ : " لَا حَيْرَةَ الشُّبْهَةِ " فَإِنَّهَا تُنَافِي أَصْلَ عَقْدِ الْإِيمَانِ ، " وَلَكِنْ حَيْرَةَ مُشَاهَدَةِ أَنْوَارِ الْعِزَّةِ " وَهِيَ دَهْشَةٌ تَعْتَرِي الشَّاهِدَ لِأَمْرٍ عَظِيمٍ جِدًّا ، لَا عَهْدَ لَهُ بِمِثْلِهِ ، بِخِلَافِ مَقَامِ " الصَّحْوِ " فَإِنَّهُ لِقُوَّتِهِ
[ ص: 299 ] وَثَبَاتِهِ وَتَمَكُّنِهِ لَا يَعْرِضُ لَهُ ذَلِكَ .
وَحَاصِلُ كَلَامِهِ : أَنَّ مَنْ كَانَ نَاظِرًا فِي عَيْنِ الْحَقِيقَةِ لَزِمَتْهُ الْحَيْرَةُ ، وَهِيَ حَيْرَةُ مُشَاهَدَةِ أَنْوَارِ الْعِزَّةِ ، لَا حَيْرَةَ مَنْ ضَلَّ عَنْ طَرِيقِ مَقْصُودِهِ ، فَإِنَّ الشُّبْهَةَ هِيَ اشْتِبَاهُ الطَّرِيقِ عَلَى السَّالِكِ ، بِحَيْثُ لَا يَدْرِي أَعَلَى حَقٍّ هُوَ أَمْ عَلَى بَاطِلٍ ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانٌ أَنَّ مُشَاهَدَةَ نُورِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ مُحَالٌ ، فَلَا نُعِيدُهُ .
قَوْلُهُ : وَمَا كَانَ بِالْحَقِّ لَمْ يَخْلُ مِنْ صِحَّةٍ ، وَلَمْ تَحِفْ عَلَيْهِ نَقِيصَةٌ ، وَلَمْ تَتَعَاوَرْهُ عِلَّةٌ ، هَذَا تَقْرِيرٌ مِنْهُ لِرَفْعِ مَقَامِ الصَّحْوِ عَلَى مَقَامِ السُّكْرِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِاللَّهِ كَانَ مَحْفُوظًا مَحْرُوسًا مِنَ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَصْدَرُ كُلِّ بَاطِلٍ ، وَهَذَا الْحِفْظُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ " فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا " فَأَيْنَ الْبَاطِلُ هَاهُنَا ؟ ثُمَّ قَالَ : " فَبِي يَسْمَعُ ، وَبِي يُبْصِرُ ، وَبِي يَبْطِشُ ، وَبِي يَمْشِي " تَحْقِيقًا لِحِفْظِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَبَطْشِهِ وَمَشْيِهِ .
قَوْلُهُ : " وَلَمْ تَتَعَاوَرْهُ عِلَّةٌ " التَّعَاوُرُ : الِاخْتِلَافُ ؛ أَيْ : لَمْ تَتَخَالَفْ عَلَيْهِ الْعِلَلُ ، وَالْعِلَلُ مُلَاحَظَةُ الْأَغْيَارِ ، وَطَاعَةُ الْقَلْبِ لِلسِّوَى ، وَإِجَابَتُهُ لِدَاعِيهِ .
قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=treesubj&link=30514وَالصَّحْوُ مِنْ مَنَازِلِ الْحَيَاةِ ، وَأَوْدِيَةِ الْجَمْعِ ، وَلَوَائِحِ الْوُجُودِ " هَذَا تَقْرِيرٌ أَيْضًا لِرَفْعِ مَقَامِهِ عَلَى مَقَامِ السُّكْرِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَيَاةِ وَمَرَاتِبِهَا وَأَقْسَامِهَا .
nindex.php?page=treesubj&link=30495وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الصَّحْوِ وَالْحَيَاةِ : أَنَّ الْحَيَاةَ هِيَ الْمُصَحِّحَةُ لِجَمِيعِ الْمَقَامَاتِ وَالْأَحْوَالِ ، فَهِيَ الَّتِي تَرْمِي عَلَى جَمِيعِهَا كَمَا تَرْمِي الْأَوْدِيَةُ أَمْوَاهَهَا عَلَى الْبِحَارِ .
قَوْلُهُ : " وَأَوْدِيَةِ الْجَمْعِ " الْجَمْعُ يُرَادُ بِهِ جَمْعُ الْوُجُودِ ، وَجَمْعُ الشُّهُودِ ، وَجَمْعُ الْإِرَادَةِ ، فَالْأَوَّلُ : جَمْعُ أَهْلِ الْإِلْحَادِ الِاتِّحَادِيَّةِ . وَالثَّانِي : جَمْعُ أَهْلِ الْفَنَاءِ . وَالثَّالِثُ : جَمْعُ الرُّسُلِ وَوَرَثَتِهِمْ ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْجَمْعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَالصَّحْوُ مِنْ أَوْدِيَةِ الْجَمْعِ الْعَالِي لَا النَّازِلِ وَلَا الْمُتَوَسِّطِ .
قَوْلُهُ : " وَلَوَائِحِ الْوُجُودِ " اللَّوَائِحُ جَمْعُ لَائِحَةٍ ، وَهِيَ مَا يَلُوحُ لَكَ كَالْبَرْقِ وَغَيْرِهِ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْوُجُودِ الَّذِي الصَّحْوُ مِنْ لَوَائِحِهِ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .