الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في النوادر : كل من بنى في أرض غيره بإذنه ، أو بعلمه ولم ينكر عليه ، أو بشبهة من الشبه ، أو غرس فله قيمة ذلك قائما وإلا فمنقوض غير أن مالكا قال : إذا أسكنته دارك وأذنت له أن يجدد فيها حجرا فليس له بعد المدة إلا النقض إلا أن تعطيه قيمته منقوضا لدخوله عند الأجل على النقض .

                                                                                                                [ ص: 215 ] نظائر : قال العبدي : يؤخذ البناء بقيمته مقلوعا في ست مسائل : البناء في أرض مغصوبة ، أو عارية ، أو بكراء ، أو أرض زوجته ، أو شركاء أو ورثة ، بنى في ذلك كله بأمر أم لا عند ابن القاسم ، وعند المدنيين إن بنى بأمره فالقيمة قائما ، وإلا فمقلوعا ، وقد تقدم قبل هذا الفرع نقل آخر في هذا المعنى .

                                                                                                                نظائر : قال يلزم الضمان إلا أن تقوم بينة في ست مسائل : عارية ما يغاب عليه ، والمبيع بالخيار فيما يغاب عليه ، ونفقة الولد عند الحاضنة ، والصداق مما يغاب عليه وادعت المرأة تلفه ووقعت فيه الشركة بالطلاق ، والمقسوم من التركة بين الورثة ، ثم انتقضت القسمة بدين أو غلط وقد تلف ، وهو مما يغاب عليه ، ومسألة الصناع في الإجارة . فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا استعار عشر سنين فورثته بمنزلته قبض أم لا ; لأنه حق له بالعقد ، وقال ( ح ) و ( ش ) للمعير الرجوع ولو قبض المستعير الدار ; لأن المنافع معدومة فهي كهبة لم تقبض على أصلهم ، ونحن نمنعهم الحكم في الموضعين ، وسيتقرر ذلك في الهبة - إن شاء الله - ، فإن مات المعير قبل القبض بطلت العارية كالهبة .

                                                                                                                القاعدة : لا ينتقل للوارث خيار البيع والرد بالعيب والأخذ بالشفعة والمطالبة بنفي الضرر عن الأملاك ، ولا تنتقل إليه الوكالة ولا الإيلاء ولا اللعان ولا النكاح ولا خيار اشترطه له المتبايعان ، فليس كل الحقوق تنتقل بل الضابط أن ما كان مالا ، أو متعلقا بالمال انتقل ; لأن الوارث يرى المال فورث متعلقاته ، وكل ما هو متعلق بالنفس كالنكاح ، أو بالعقل والرأي كخيار اشترطه له المتبايعان ، والوكالة فلا ينتقل ; لأن جسمه وعقله ورأيه لا يورث ، فالعلم بهذه القاعدة يوضح [ ص: 216 ] لك هذه المواطن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : من أعمرته دارك حياته رجعت بعد موته إليك ، قال صاحب الاستذكار : هذا مذهب مالك وأصحابه ، وكذلك إذا قال لك ولعقبك ترجع له ولمن يرثه ، وإنما يملك عند مالك وأصحابه بلفظ العمرى والسكن والاعتمار والاستغلال والإعمار بالمنافع دون الرقاب ، وقال الأئمة : يملك الرقاب في العمرى ؛ قال لعقبك أم لا ، لما في الموطأ قال - عليه السلام - أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه ، فإنها للذي يعطاها لا ترجع للذي أعطاها أبدا ; لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ، وفي أبي داود : العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها ، وفي مسلم : أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها ، فإنه من أعمر عمرى فبنى للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه ولا أثر لذكر العقب ، قد يموت قبله ، والجواب عن الأول أنا نقول بموجبه ، فإنها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا ما دام من عقب المعطي أحد ، وكذلك قال الداودي لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ، فإن هذه الزيادة من قول الراوي فعلل بالمواريث وجعلها المانعة ، ونحن لا نغيره ما دام ميراث من العقب ويوضحه ألا تعود فعل في سياق النفي هل يعم أم لا ؛ خلاف بين الأصوليين ؟ ، وإن سلمنا العموم فهو في الأزمان المستقبلة والعام في حقيته مطلقا وفي أحوالها على ما تقرر في أصول الفقه ، والمطلق تكفي فيه صورة فنحمله على حالة عدم الوارث من العقب فيسقط الاستدلال به فيما عداه ; لأن ذلك شأن المطلقات ، وعن الثاني القول بالموجب أيضا ، فإن الجواز ثابت إنما الخلاف في الرجوع ، وعن الثالث القول بالموجب أيضا فإنهما له ولعقبه حيا وميتا إنما الخلاف بعد العقب ثم [ ص: 217 ] يتأكد ما ذكرناه بما في الموطأ ، قال القاسم بن محمد لما سئل عن العمرى فقال : ما أدركت الناس إلا وهم عند شروطهم في أموالهم ، وورد عليه إن أراد الغالب فليس حجة مطلقا فكيف تدفع به السنة ، أو إجماع المدينة فقد خالفه جمع كثير منهم وقضى بها طارق بالمدينة ، وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي عن ابن الأعرابي : لم يختلف العرب في العمرى والرقبى والإفقار والأحمال والمنحة والعرية والعارية والسكنى والإطراق أنها على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له ، والخصم يدعي أن الشرع نقلها والأصل عدم النقل ; لأن تمليك الرقاب متى اشترط فيه التأقيت فسد كالبيع ، وها هنا لم يفسد فيصرف إلى المنافع ; لأنها لا يفسدها التأقيت بل شرط في بعض صورها ، والخصم يدعي أن الشرع أبطل التأقيت تصحيحا للملك ونحن ندعي أن الشرع اعتبره ، والإبطال على خلاف الدليل فيكون مذهبنا أرجح لغة وشرعا ; ولأن التبرع على خلاف الأصل خالفناه في المنافع فيبقى في الرقاب على مقتضى الأصل تعليلا للمخالفة .

                                                                                                                فائدة : قال صاحب التنبيهات : العارية بتشديد الياء ، والعمرى بسكون الميم من العمر ، والرقبى بضم الراء وسكون القاف مقصورة ; لأن كل واحد منهما يرقب صاحبه وتفسد الرقبى من جهتين وتصح من جهة واحدة نحو قوله في عبده : فإن مت فاخدم فلانا حتى يموت ثم أنت حر ; لأنه كالتعمير ووصية بعده بالخدمة وعتق إلى أجل ، وتفسد إذا كانت المراقبة من الجهتين لكونها خارجة عن الوصية والعتق إلى أجل ، وإذا كانت قبالة الدار دار أخرى من الجهة الأخرى لكونها معاوضة فاسدة ووافقنا ( ح ) في الرقبى وجوز ( ش ) وأحمد القسمين الأولين ، ولم يبطلا إلا المعاوضة في القسم الأخير .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : العمرى في الرقيق والحيوان ولم أسمع ذلك في الثياب وهي [ ص: 218 ] عندي على ما أعطاه من الشرط ، وتمتنع الرقبى وهي أن تكون دار بينكما فتحبسانه على أن من مات منكما أولا فنصيبه حبس على الآخر للغرر ، وكذلك العبد بينكما تحسبانه على أن من مات أولا فنصيبه يخدم آخرهما موتا ، ثم يكون حرا ويلزمهما العتق إلى موتهما ، ومن مات خدم نصيبه ورثته دون صاحبه فإذا مات آخرهما عتق نصيبه وكل واحد بصرفه في ثلثه ، كمن قال إذا مت مت فعبدي يخدم فلانا حياته ثم هو حر ، ولو قال عبدي عبدي حر بعد موت فلان فهو من رأس المال ; لأنه تصرف في الصحة ، والتعليق على الموت يعد واقعا عنده ; لأن الشروط اللغوية أسباب والمسبب عند السبب فتختص بالثلث كالوصايا ، قال ابن يونس : إذا أعمره وعقبه لا يرجع إليه لحديث الموطأ المتقدم فيكون موقوفا عليهم ما دام أحد من العقب حيا ، ولا فرق في التعمير بين إسكانه عمره ، أو عمر فلان أو إلى قدوم فلان ، وتجري المواريث له ولعقبه في النفع دون الأصل ، قال اللخمي : إذا قال : من مات منا فنصيبه حبس على الحي ، فعلى القول أن يرجع الحبس على المعين ملكا يبطل هذا ويصنعان بالدار ما أحبا ، وعلى القول أنه يرجع حبسا تبطل السكنى خاصة ، وتكون ملكا لهما حتى يموت آخرهما فتكون على مرجع الأحباس .

                                                                                                                تنبيه : إذا أسكنه هل ملكه المنفعة ، أو ملكه أن ينتفع كما ملك الشرع الانتفاع بالمساجد والربط والمدارس والطرقات ، فله المعاوضة عن المنفعة في القسم الأول دون الثاني ، والجواب : أن ابن أبي زيد نقل في النوادر أن له في الوصايا إذا أوصى لرجل بغلة مسكن ولآخر بمسكن آخر لكل واحد أن يسكن [ ص: 219 ] وأن يستغل ، وهو دليل على أنه ملكه المنفعة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر إذا قلت : أجرت لك ، وقال الراكب : أعرت صدق مع يمينه إلا أن يكون شأنه عدم الكراء لعلو قدره ، وكذلك لو قلت غصبتنيها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في المقدمات أجرة حمل العارية على المستعير لقوله لصفوان في الأدرعة : اكفنا حملها ، فدل على أن الحمل عليه ، واختلف في أجرة الرد ؛ فقيل عليه لوجوب التسليم عليه وقيل المعير ; لأنه صنع معروفا فلا يأخذ عليه أجرا ومنفعة الرد تختص به بخلاف النقل إلى المستعير .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : من حق المستعير الإشهاد على الرد ، وإن قبضها بغير إشهاد بخلاف الوديعة ; لأن العارية مضمونة بخلافها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال الأبهري : إذا مات العبد المخدم قبل انقضاء الخدمة ، ماله لصاحب الرقبة ، أو لورثته وإذا قتل فقيمته لسيده وأرش جراحه ; لأنه مالك للرقبة فإن جنى قبل [ ص: 220 ] الخدمة ، قيل للمخدم افده حتى تخلص لك الخدمة ، فإن الجناية تتعلق بالعبيد ، فإن امتنع فقد أسقط حقه من الخدمة ويخير السيد بين إسلامه وافتكاكه على قاعدة جناية العبيد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال الأبهري : إن أعمر أمة امتنع وطؤها ; لئلا يبطل وطء السيد الإعمار بأن يصيرها أم أم ولد بوطئه والمعمر ليس مالكا للرقبة فتحرم عليهما .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا أعمر عبدا فنفقته حياة المعير عليه ; لأنه المنتفع ، وعن مالك إذا حبس على أم ولده خادما ، فنفقتها على الورثة ، وابن القاسم وأشهب على قوله الأول ، وإذا أوصى بخدمته سنين فأولها يوم موته ; لأن الوصية إنما تعتبر بعد الموت .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : ولد المخدم من أمته بمنزلته يخدم معه كما يدخل في كتابته وتدبيره ، وإن قتله سيده خطأ فلا شيء عليه ; لأنه لا يضمن لنفسه ، أو عمدا فعليه قيمته لمن أخدمه في السنين التي أعمر فيكرى له عبد منها يخدمه ، فإن لم تف لم يكن عليه شيء ، وإن زادت فللسيد ; لأنه قد وفى بالخدمة ، قال : والصحيح عندي أن يكون الخطأ كذلك ; لأنه أفسد خدمته خلافا لقول مالك المتقدم فإن أعتق نصف المخدم عتق كله لقوة العتق في نظر الشرع واستؤجر من قيمة النصف كما إذا قتله ، وولد المخدمة معها يخدم ، فإن ماتت بقي ولدها يخدم .

                                                                                                                [ ص: 221 ] فرع

                                                                                                                في الجواهر حكم العارية اللزوم ، ومتى كانت إلى أجل معلوم ، أو كان لها قدر معلوم كعارية الدابة إلى موضع كذا ، والعبد يبني كذا أو يخيط كذا فهي لازمة ، فإن لم يضرب أجلا ولا كان لها مدة القضاء لزمت بالقول والقبول ويبقيها مدة انتفاع مثلها عند استعارتها وخالفنا الأئمة ، وقالوا لا يجب التسليم ولا التمادي بعده ; لأن المنافع معدومة فهي كهبة لم تقبض على أصلهم في الهبة ، وسيأتي تقريره في الهبة إن شاء الله ، والعارية مقيسة عليها ، وقال أشهب : المعير بالخيار في تسليم ذلك ، وإن سلمه كان له الرد وإن قرب ، قال أبو الفرج : وأرى أن وجوبها بالقول دون الإقباض إنما فيما عدا الأرضين .

                                                                                                                [ ص: 222 ] صفحة فارغة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية