الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يدفن اثنان في قبر ) أي لحد أو شق واحد من غير حاجز بناء بينهما أي يندب أن لا يجمع بينهما فيه فيكره إن اتحدا نوعا أو اختلفا ولو احتمالا كخنثيين إذا كان بينهما محرمية أو زوجية أو سيدية وإلا حرم فالنفي في كلامه للكراهة تارة والحرمة أخرى وما في المجموع من حرمته بين الأم وولدها ضعيف ويحرم أيضا إدخال ميت على آخر وإن اتحدا قبل بلى جميعه أي إلا عجب الذنب فإنه لا يبلى كما مر على أنه لا يحس فلذا لم يستثنوه ويرجع فيه لأهل الخبرة بالأرض ولو وجد عظمة قبل كمال الحفر طمه وجوبا ما لم يحتج إليه أو بعده نحاه ودفن الآخر فإن ضاق بأن لم يمكن دفنه إلا عليه فظاهر قولهم نحاه حرمة الدفن هنا حيث لا حاجة [ ص: 174 ] وليس ببعيد لأن الإيذاء هنا أشد ( إلا لضرورة ) بأن كثر الموتى وعسر إفراد كل ميت بقبر أو لم يوجد إلا كفن واحد فلا كراهة ولا حرمة حينئذ في دفن اثنين فأكثر مطلقا في قبر واحد لأنه صلى الله عليه وسلم { كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب } ويقدم أقرؤهما للقبلة ويجعل بينهما حاجز تراب وهذا الحجز مندوب وإن اختلف الجنس على الأوجه كتقديم الأفضل المذكور في قوله ( فيقدم ) في دفنهما إلى القبلة ( أفضلهما ) بما يقدم به في الإمامة عند اتحاد النوع وإلا فيقدم رجل ولو مفضولا فصبي فخنثى فامرأة نعم يقدم أصل على فرعه من جنسه ولو أفضل لحرمة الأبوة أو الأمومة بخلافه من غير جنسه فيقدم ابن على أمه لفضيلة الذكورة وعلم مما مر أنه لو استوى اثنان أقرع وأنهم لو ترتبوا لم ينح الأسبق المفضول إلا ما استثني

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله أو سيدية ) قيده في شرح الإرشاد الصغير بموت الرقيق أولا بخلاف عكسه لانتقاله للوارث ( قوله وما في المجموع ضعيف ) أفتى بما فيه شيخنا الشهاب الرملي ( قوله من حرمته بين الأم وولدها ) وبين الرجلين والمرأتين ( قوله ويحرم أيضا إدخال ميت على آخر ) عللوه بهتك حرمته ويؤخذ منه عدم حرمة نبش قبر له لحدان مثلا لدفن شخص في اللحد الثاني إن لم تظهر له رائحة إذ لا هتك للأول فيه وهو ظاهر وإن لم يتعرضوا له فيما أعلم شرح م ر ( قوله قبل بلى جميعه ) أفهم جواز النبش بعد بلى جميعه ويستثنى قبر عالم مشهور أو ولي مشهور فيمتنع نبشه مطلقا م ر ( قوله بأن كثر الموتى ) ينبغي الاكتفاء بالعسر وإن لم يكثر الموتى وأن [ ص: 174 ] يكون من العسر ما لو كان لو أفرد كل ميت بقبر تباعدت قبورهم بحيث تشق زيارتهم بأن لم يتيسر مواضع متقاربة ( قوله ويجعل بينهما حاجز تراب ) كيف يتأتى في صورة الكفن الواحد ( قوله بما يقدم به في الإمامة ) كان المراد ما يقدم به الإمام المذكور في شرح قول المصنف السابق وتجوز على الجنائز صلاة ويؤيده قول الرافعي فيقدم الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة فليحرر فإن ظاهر العبارة خلاف ذلك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وإلا ) أي بأن اختلف النوع ( قوله فخنثى فامرأة ) وهل التقديم في الخنثيين بما يقدم به عند اتحاد النوع أو يتخيره مطلقا فيه نظر ( قوله فيقدم ابن على أمه ) هل يقدم الخنثى على أمه احتياطا لاحتمال الذكورة أو تقدم الأم لأن الأصل عدم الذكورة فيه نظر ( قوله وأنهم لو ترتبوا لم ينح الأسبق إلخ ) ذكر في شرح الروض أن هذا هو [ ص: 175 ] الظاهر وزاد أن الظاهر أن ما ذكر هنا من استثناء الأب والأم يأتي هناك قال وقد يفرق بأن المدة هنا مؤبدة بخلافها ثم وبأن القصد من الصلاة الدعاء والأفضل أولى به ا هـ واعلم أن قول الشارح تبعا لشرح الروض إلا ما استثني ظاهره أنه إذا سبق وضع المرأة مثلا في اللحد نحيت للذكر ولا يخلو عن إشكال ويتجه خلافه م ر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( فلا يدفن اثنان إلخ ) وينبغي أن يلحق بهما واحد وبعض بدن آخر

                                                                                                                              ( فرع ) لو وضعت الأموات بعضهم فوق بعض في لحد أو فسقية كما توضع الأمتعة بعضها على بعض فهل يسوغ النبش حينئذ ليوضعوا على وجه جائز إن وسع المكان وإلا نقلوا لمحل آخر الوجه الجواز بل الوجوب وفاقا ل م ر سم على المنهج ا هـ ع ش ( قوله أي يندب إلخ ) وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا للنهاية والمغني ومن تبعهما عبارة الأول ولا يدفن اثنان في قبر ابتداء بل يفرد كل ميت بقبر حالة الاختيار للاتباع ذكره في المجموع وقال إنه صحيح فلو دفنهما ابتداء فيه من غير ضرورة حرم كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وإن اتحد النوع كرجلين أو امرأتين أو اختلف وكان بينهما محرمية ولو أما مع ولدها ولو كان صغيرا أو بينهما زوجية أو مملوكية كما جرى عليه المصنف تبعا للسرخسي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فيكره إلخ ) والمعتمد التحريم حيث لا ضرورة مطلقا لا ابتداء ودواما وإن كان هناك محرمية واتحد الجنس لأن العلة في منع الجمع التأذي لا الشهوة شيخنا وبجيرمي ( قوله أو سيدية ) قيده في شرح الإرشاد الصغير بموت الرقيق أولا بخلاف عكسه لانتقاله للوارث سم ( قوله وما في المجموع إلخ ) أفتى بما فيه شيخنا الشهاب الرملي و ( قوله بين الأم وولدها ) أي وبين الرجلين والمرأتين سم ( قوله ويحرم أيضا إلخ ) اعتمده النهاية والمغني ثم قالا وعلم من تعليلهم ذلك بهتك حرمته عدم حرمة نبش قبر له لحدان مثلا لدفن شخص في اللحد الثاني إن لم يظهر له رائحة إذ لا هتك للأول فيه وهو ظاهر وإن لم يتعرضوا له فيما أعلم ا هـ وأقره سم قال ع ش قال سم على المنهج وكما يحرم نبش القبر للدفن يحرم فتح الفسقية للدفن فيها إن كان هناك هتك لحرمة من بها كأن تظهر رائحته كأن كان قريب عهد بالدفن وكذا إن لم يكن هناك هتك إلا لحاجة كأن لم يتيسر له مكان م ر انتهى ثم ذكر كلاما يعطي قوته أن ما ذكر يجري في حق الكفار أيضا حتى يحرم علينا دفن ذميين في لحد واحد بلا ضرورة

                                                                                                                              ( فرع ) لو شك في ظهور الرائحة وعدمها هل يحرم أم لا فيه نظر والأقرب أن يقال إن قرب زمن الدفن حرم وإلا فلا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إدخال ميت على آخر إلخ ) وفي الزيادي ومحل تحريمه عند عدم الضرورة وأما عندها فيجوز كما في الابتداء رملي انتهى ا هـ ع ش ( قوله قبل بلى جميعه ) أفهم جواز النبش بعد بلى جميعه ويستثنى قبر عالم مشهور أو ولي مشهور فيمتنع نبشه مطلقا م ر ا هـ سم ( قوله على أنه إلخ ) أي عجب الذنب ( قوله ويرجع فيه ) أي في البلى ( قوله نحاه ) أي نحى العظم من [ ص: 174 ] القبر بأن يجعله في جانب أو في موضع آخر كردي وحلبي وزيادي ( قوله وليس ببعيد إلخ ) ظاهره الحرمة وإن وضع بينهما حائل كما لو فرش على العظام رمل ثم وضع عليه الميت فليراجع ع ش أقول قد يوافق ذلك الظاهر قول شيخنا ويحرم جمع عظام الموتى لدفن غيرهم وكذا وضع الميت فوقها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بأن كثر ) إلى قوله وعلم مما مر في النهاية والمغني إلا أنهما عبرا بالكاف بدل الباء في بأن كثر .

                                                                                                                              ( قوله بأن كثر الموتى ) ينبغي الاكتفاء بالعسر وإن لم يكثر الموتى وأن يكون من العسر ما لو كان لو أفرد كل ميت بقبر تباعدت قبورهم بحيث تشق زيارتهم بأن لم يتيسر مواضع متقاربة سم وفيه نظر والظاهر ما في ع ش مما نصه فمتى سهل إفراد كل واحد لا يجوز الجمع بين اثنين ولا يختص الحكم بما اعتيد الدفن فيه بل حيث أمكن ولو غيره ولو كانت بعيدا وجب حيث كان يعد مقبرة للبلد ويسهل زيارته وغايته تتعدد الترب وأي مانع منه وليس من الضرورة ما جرت به العادة في مصرنا من الاحتياج لدراهم تصرف للمتكلم على التربة في مقابلة التمكين من الدفن لأنه صار من مؤن التجهيز على أنه قد يمكن الاستغناء عنه بالدفن في غير ذلك الموضع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أو لم يوجد إلا كفن إلخ ) أي ويجعل بينهما حاجز ندبا أخذا مما يأتي ع ش ( قوله فأكثر إلخ ) أي بحسب الضرورة نهاية ومغني ( قوله ويجعل إلخ ) من كلام الشارح ( قوله حاجز تراب ) أي ونحوه كإذخر بجيرمي .

                                                                                                                              ( قوله وهذا الحجز مندوب إلخ ) أي إن لم يكن مس وإلا وجب برماوي ا هـ بجيرمي ( قوله وإن اختلف الجنس إلخ ) عبارة النهاية والمغني ولو اتحد الجنس ا هـ فجعلا الغاية اتحاد الجنس وذلك لاختلاف الملاحظة فإنه قد يلمح لامح أن محل الحاجة عند الاختلاف وأما عند الاتحاد فينبغي أن لا يندب فأشار إلى نفيه وقد يلمح آخر أن محل الندب عند الاتحاد أما عند الاختلاف فينبغي الوجوب فأشار الشارح إلى رده ثم رأيت في الروضة ما يشعر بخلاف في طلب الحاجز عند اتحاد الجنس وفي الغرر احتمال بالوجوب عند اختلاف الجنس فكل من الفريقين أشار إلى رد أحد الخلافين بصري أقول ويمكن الجمع بحمل الندب على ما إذا لم يكن مس والوجوب على خلافه كما مر عن البرماوي ولقول الشوبري عن شرح المشكاة ولا يلزم من ذلك أي الجمع في كفن واحد تماس عورتيهما لإمكان أن يحجز بينهما بإذخر ونحوه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بما يقدم به في الإمامة ) أي السابق في قول المصنف الجديد أن الولي أولى بإمامتها فيقدم الأب إلخ كما يصرح بذلك قول النهاية والمغني وهو أي الأفضل الأحق بالإمامة ا هـ وقال سم كأن المراد ما يقدم به إلى الإمام المذكور في شرح قول المصنف السابق وتجوز على الجنائز صلاة فليحرر فإن ظاهر العبارة خلاف ذلك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وإلا ) أي بأن اختلف النوع سم ( قوله فخنثى إلخ ) وهل التقديم في الخنثيين بما يقدم به عند اتحاد النوع أو يتخير مطلقا فيه نظر سم والأقرب الأول كما يأتي عن ع ش ما يؤيده ( قوله نعم يقدم أصل إلخ ) أي وإن علا حتى يقدم الجد ولو من قبل الأم وكذا الجدة قاله الإسنوي فيقدم أب على ابنه وإن سفل وكان أفضل منه لحرمة الأبوة وأم على بنت كذلك نهاية ومغني ( قوله فيقدم ابن على أمه ) وهل يقدم الخنثى على أمه احتياطا لاحتمال الذكورة أو تقدم الأم لأن الأصل عدم الذكورة فيه نظر سم على حج والأقرب الثاني لأن الأصالة محققة واحتمال الذكورة مشكوك فيه ع ش .

                                                                                                                              ( قوله مما مر ) أي في شرح وتجوز على الجنائز صلاة ( قوله إلا ما استثني ) تبع فيه شرح الروض وظاهره أنه إذا سبق وضع المرأة مثلا في اللحد نحيت للذكر ولا يخلو عن إشكال ويتجه خلافه م ر [ ص: 175 ] ا هـ سم عبارة ع ش قال في شرح البهجة كشرح الروض والظاهر أن ما مر في الصلاة على الميت من أنهم إذا تساووا في الفضيلة يقرع بينهم وأنهم إذا ترتبوا لا ينحى الأسبق وإن كان مفضولا إلا ما استثني يأتي هنا وأن ما ذكر هنا من استثناء الأب والأم يأتي هناك أيضا انتهى وقد سئل م ر عن هذا الكلام وأنه يدل على أنه إذا سبق وضع أحدهما في اللحد لا ينحى إلا فيما استثني فينحى ويؤخر فأبى أن المراد ذلك وقال لا يجوز تأخير من وضع أولا في اللحد لغيره وإن كان أنثى وذلك الغير أباه لأنه بسبقه استحق ذلك المكان فلا يؤخر عنه قال وإنما المراد السبق بالوضع عند القبر فلا يؤخر عنه السابق ويقدم غيره بالوضع على شفير القبر ثم أخذه ووضعه في اللحد أولا إلا فيما استثني فليتأمل ا هـ وانظر لو دفن ذميان في لحد هل يقدم إلى جدار القبر أخفهما كفرا وعصيانا سم على المنهج أقول القياس نعم ا هـ




                                                                                                                              الخدمات العلمية