الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فإن عزله وهو غائب انعزل في الحال ) لأنه لم يحتج للرضا فلم يحتج للعلم كالطلاق ، وينبغي للموكل الإشهاد على العزل إذ لا يقبل قوله فيه بعد تصرف الوكيل وإن وافقه بالنسبة للمشتري مثلا من الوكيل ، أما في غير ذلك فإذا وافقه على العزل ولكن ادعى أنه بعد التصرف ليستحق الجعل مثلا ففيه التفصيل الآتي في اختلاف الزوجين في تقدم الرجعة على انقضاء العدة ، فإذا اتفقا على وقت العزل وقال : تصرفت قبله وقال الموكل : بعده حلف الموكل أنه لا يعلمه تصرف قبله لأن الأصل عدمه إلى ما بعده أو على وقت التصرف وقال : عزلتك قبله فقال الوكيل : بل بعده حلف الوكيل أنه لا يعلم عزله قبله ، فإن تنازعا في السبق بلا اتفاق صدق من سبق بالدعوى لأن مدعاه سابق لاستقرار الحكم بقوله ( وفي قول لا ) ينعزل ( حتى يبلغه الخبر ) ممن تقبل روايته كالقاضي ، وفرق الأول بتعلق المصالح الكلية بعمل القاضي ، فلو انعزل قبل الخبر عظم ضرر الناس بنقص الأحكام وفساد الأنكحة بخلاف الوكيل .

                                                                                                                            قال الإسنوي : ومقتضاه أن الحاكم في واقعة خاصة كالوكيل .

                                                                                                                            قال البدر بن شهبة : ومقتضاه أيضا أن الوكيل العام كوكيل السلطان كالقاضي ا هـ . والأوجه خلاف ما قالاه إلحاقا لكل بالأعم الأغلب في نوعه ، ولا ينعزل وديع ومستعير إلا ببلوغ الخبر وفارق الوكيل بأن القصد منعه من التصرف الضار بموكله بإخراج أعيانه عن ملكه فأثر فيه العزل وإن لم يعلم به بخلافهما ، وإذا تصرف بعد عزل بموت أو غيره جاهلا لم يصح تصرفه وضمن ما سلمه فيما يظهر إذ الجهل غير [ ص: 54 ] مؤثر في الضمان ومن ثم غرم الدية والكفارة إذا قتل جاهلا بالعزل كما سيأتي قبيل الديات ، ولا رجوع له بما غرمه على موكله على الأصح وإن غره خلافا لبعضهم ، وهذا هو مقتضى كلام الشاشي والغزالي ، وما تلف في يد الوكيل بلا تقصير ولو بعد العزل لا ضمان عليه بسببه ، وكالوكيل فيما ذكر عامل القراض ، ولو عزل أحد وكيليه مبهما لم يتصرف واحد منهما حتى يميز للشك في الأهلية ، ولو وكل عشرة ثم قال عزلت أكثرهم انعزل ستة ، وإذا عينهم ففي تصرف الباقين وجهان أصحهما عدمه : أي بالنسبة للتصرف الصادر منهم قبل التعيين

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فإذا اتفقا إلخ ) بيان للتفصيل ( قوله : وقال ) أي الوكيل ( قوله : أنه لا يعلمه ) أي فيصدق ( قوله : حلف الوكيل ) فيصدق ( قوله صدق من سبق ) أي جاءا معا أم لا ( قوله : لاستقرار الحكم بقوله ) وإن جاءا معا فالذي يظهر تصديق الموكل لأن جانبه أقوى إذ أصل عدم التصرف أقوى من أصل بقائه لأن بقاءه متنازع فيه ، ثم رأيت شيخنا جزم بتصديق الموكل ولم يوجهه ا هـ حج . وكتب عليه سم عبارة شرح الروض : ولو وقع كلامهما معا صدق الموكل ا هـ . وعليه فالمراد من قوله جاءا معا أنهما ادعيا معا ، ويدل عليه قوله قبل : صدق من سبق بالدعوى دون قوله : من جاء للقاضي أولا ، وقوله أقوى من أصل بقائه : أي بقاء جواز التصرف الناشئ عن الإذن ( قوله : وفرق الأول ) أي بين الوكيل والقاضي ( قوله : ومقتضاه أن الحاكم إلخ ) عبارة حج أن المحكم إلخ : أي الذي حكمه القاضي فلا تخالف بين كلام الشارح وحج ( قوله : والأوجه خلاف ما قالاه ) أي فينعزل الوكيل بالعزل ولو لم يبلغه الخبر ، ولا ينعزل القاضي في أمر خاص إلا بعد بلوغ الخبر اعتبارا بما من شأنه في كل منهما ، ولكن لا شك أن ما قالاه هو مقتضى التعليل

                                                                                                                            ( قوله : ولا ينعزل وديع ) وفائدة عدم عزله في الوديع وجوب حفظه ورعايته قبل بلوغ الخبر حتى لو قصر في ذلك كأن لم يدفع متلفات الوديعة عنها ضمن ، وفي المستعير أنه لا أجرة عليه في استعمال العارية قبل بلوغ الخبر ، وأنها لو تلفت بالاستعمال المأذون فيه قبل ذلك لم يضمن ( قوله : بأن القصد ) أي من الموكل ( قوله : منعه ) أي الوكيل ( قوله : بخلافهما ) أي الوديع والمستعير

                                                                                                                            ( قوله : وضمن ما سلمه ) ومثله ما لو أذن له في صرف مال في شيء للموكل كبناء وزراعة وثبت [ ص: 54 ] عزله له قبل التصرف فإنه يضمن ما صرفه من مال الموكل ثم ما بناه أو زرعه إن كان ملكا للموكل وكان ما صرفه من المال في أجرة البناء ونحوه كان البناء على ملك الموكل وامتنع على الوكيل التصرف فيه ولا رجوع له بما غرمه ، وإن كان اشتراه بمال الموكل جاز للوكيل هدمه ولو منعه الموكل وتركه إن لم يكلفه الموكل بهدمه وتفريغ مكانه ، فإن كلفه لزمه نقضه وأرش نقص موضع البناء إن نقص ، وما ذكر من التخيير محله إن لم تثبت وكالته عند البائع فيما اشتراه وإلا وجب عليه نقضه وتسليمه لبائعه إن طلبه ويجب له على الوكيل أرش نقصه إن نقص

                                                                                                                            ( قوله : ومن ثم غرم ) أي الوكيل الدية : أي دية عمد ( قوله : جاهلا بالعزل ) أي ولا قصاص ( قوله : على موكله ) أي وإن تمكن من إعلامه بالعزل ولم يعلمه ، لكن هل يأثم بعدم إعلامه حيث قدر ويعزر على ذلك ؟ فيه نظر ، ولا يبعد الإثم فيعزر ( قوله : وهذا هو مقتضى كلام الشاشي والغزالي ) أي حيث قالا لو اشترى شيئا لموكله جاهلا بانعزاله فتلف في يده وغرم بدله رجع على الموكل لأنه الذي غره ( قوله : فيما ذكر ) أي من عدم الضمان ولو بعد العزل ( قوله : للشك في الأهلية ) قال سم على منهج بعد ما ذكر أقول : لو تصرف ثم عين غيره للعزل هل يتبين صحة تصرفه أو لا كما هو ظاهر هذه العبارة راجعه ، ويحتمل أنه يبني على أنه إذا عين تبين انعزاله باللفظ دون الآخر فتكون الولاية للآخر في نفس الأمر وهي كافية ، وهو مخالف لقول الشارح أصحهما عدمه إلخ ، لكن ما قاله سم هو مقتضى قولهم : العبرة في العقود بما في نفس الأمر وأنه لو تصرف بظن عدم الولاية فبان خلافه بان صحة تصرفه ، ويمكن حمل قول الشارح أصحهما عدمه على أن المراد في ظاهر الحال ( قوله : انعزل ستة ) أي وأما لو قال : رفعت الوكالة أو أحد وكلائي ونوى معينا فتصرف الوكلاء جاهلين بالعزل ثم أخبر عن نفسه بأنه نوى زيدا مثلا منهم فقياس ما ذكره الشارح من بطلان تصرف من لم يعينه للعزل فيما لو قال : عزلت أكثر وكلائي ثم عين ستة منهم ; البطلان هنا لتصرف الوكيل قبل إخبار الموكل بنية من أبقاه للوكالة ، وقد يفرق بأن الوكيل في مسألة الشارح كان حاله مبهما وقت التصرف في نفس الأمر ، بخلاف ما لو نوى حال العزل معينا فإن الإبهام إنما هو في الظاهر لا في نفس الأمر ( قوله : وإذا عينهم ) أي الستة

                                                                                                                            ( قوله : الباقين ) وهم الأربعة ( قوله : أصحهما عدمه ) أي عدم النفوذ ا هـ سم على حج ( قوله : بالنسبة للتصرف ) أما الستة فتصرفهم باطل قطعا لتبين انتفاء ولايتهم في نفس الأمر ، واستقر به سم على حج . [ فائدة ] قال المؤلف : ولو عزل أحد وكيليه فتصرفا معا قبل التعيين صح التصرف ا هـ .

                                                                                                                            أقول : قد يتوقف فيه بأن العزل ينفذ من اللفظ ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد أنهما تصرفا في شيء واحد معا ، ويوجه النفوذ حينئذ بأن أحدهما غير معزول فالنفوذ بالنسبة لتصرفه لا بالنسبة لرفيقه وفي سم على حج ما يؤيده نقلا عن م ر



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 53 ] ( قوله : بالنسبة للمشتري مثلا ) وانظر ماذا يفعل في الثمن وكل من الموكل والوكيل معترف بأن الموكل لا يستحقه وهل يأتي فيه ما يأتي في الظفر ، وهل إذا لم يكن قبض الثمن لهما المطالبة أو لا ؟ ( قوله : فإذا اتفقا إلخ ) هو بيان للتفصيل المشار إليه ( قوله : والأوجه خلاف ما قالاه ) لا يخفى ما فيه بالنسبة للثانية لما يترتب عليه من المفاسد التي من جملتها عدم [ ص: 54 ] صحة تولية قاض ولاه حيث فوض له ذلك خصوصا إذا وقعت منه أحكام ( قوله : أصحهما عدمه ) أي عدم نفوذه فهو على حذف مضاف




                                                                                                                            الخدمات العلمية