الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثاني الخضاب بالصفرة والحمرة وهو جائز تلبيسا للشيب على الكفار في الغزو والجهاد فإن لم يكن على هذه النية ، بل للتشبه بأهل الدين فهو مذموم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصفرة خضاب المسلمين والحمرة خضاب المؤمنين وكانوا يخضبون بالحناء للحمرة وبالخلوق والكتم للصفرة وخضب بعض العلماء بالسواد لأجل الغزو وذلك لا بأس به إذا صحت النية ، ولم يكن فيه هوى وشهوة .

التالي السابق


(الثاني الخضاب بالصفرة والحمرة ) عده في الإجمال آخرا وقدمه في التفصيل لمناسبته ما قبله ولا بأس في ذلك (وهو جائز) إذا قارنته نية صالحة ، وهو أن يكون (تلبيسا للشيب على الكفار في الغزو) عليهم (والجهاد) فيهم (فإن لم يكن على هذه النية ، بل للتشبه بأهل الدين) والصالحين وليس منهم (فهو مذموم) ولا يخفى أن مذهب المصنف أن الخضاب بغير السواد سنة سواء كان بحمرة أو صفرة ، وهذا لا يحتاج فيه إلى نية الجهاد ، بل حاجة الجهاد تبيح السواد فضلا عن غيره ، كما تقدم فتأمل (وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصفرة خضاب المسلمين والحمرة خضاب المؤمنين ) هكذا أورده صاحب القوت قال العراقي أخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر بلفظ الإفراد قال ابن أبي حاتم : منكر اهـ .

قلت : أورده الحاكم في المناقب ، ولكن لفظهم الصفرة خضاب المؤمن والحمرة خضاب المسلم والسواد خضاب الكافر قال بعض رواته : دخل ابن عمر على ابن عمرو ، وقد سود لحيته فقال : السلام عليك أيها الشويب قال : أما تعرفني ؟ قال : أعرفك شيخا وأنت اليوم شاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الذهبي : منكر ، وقال الهيثمي : فيه من لم أعرفه وتعبيره بالمؤمنين تارة وبالمسلمين أخرى تفنن ، وهذا الحديث ، كما تراه مشتمل على ثلاث جمل ، وقد قطعه المصنف ، كما ترى تبعا لصاحب القوت (وكانوا يخضبون بالحناء للحمرة وبالخلوق والكتم للصفرة) هكذا أورده صاحب القوت والخضاب بهما محبوب مطلوب لكونه دأب الصالحين ، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة ، وهو دليل مذهب المصنف أن الخضاب بغير السواد سنة ويدل له ما رواه أبو داود في سننه مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم قد خضب بالحناء والكتم فقال : هذا حسن فمر آخر خضب بالصفرة فقال : هذا أحسن من هذا كله وما قال عياض من منع الخضاب مطلقا وعزاه لمالك والأكثرين لما روي من النهي عن تغيير الشيب ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه ، وقد أجاب عنه النووي بأن ما مر من حديث ابن عمر وغيره لا يمكن تركه ولا تأويله قال : والمختار أنه صلى الله عليه وسلم صبغ في وقت وترك في معظم الأوقات فأخبر كل بما رأى ، وهو صادق ، وهذا التأويل كالمتعين للجمع به بين الأحاديث ، والله أعلم .

والحناء معروف والكتم محركة ويشدد من نبات الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقا وله ثمر كقدر الفلفل ويسود إذا نضج ، وقد يعصر منه دهن يستصبح به في البوادي ، وإذا خلط بالوشمة خضب سوادا وتقدم أن الخضاب بالسواد حرام ما لم ينو الجهاد (و) قد (خضب بعض العلماء بالسواد لأجل الغزو) على الكفار فيريهم أنه شاب قوي فيها بون منه ، ومنهم عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يخضب كذلك بهذه النية (وذلك لا بأس به إذا صحت النية ، ولم يكن فيه هوى وشهوة) للنفس والأصل فيه لصاحب القوت حيث قال : فأما الخضاب بالسواد فقد [ ص: 422 ] يروى عن بعض العلماء ممن كان يقاتل في سبيل الله عز وجل أنه كان يخضب بالسواد ، ولكن لم يخضب به لأجل الهوى ولا لتدليس الشيب إنما كان يعد هذا من إعداد العدة لأعداء الله لمعنى قوله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة وإظهار الشباب من القوة ، وقد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واضطبع هو وأصحابه ليراهم الكفار فيعلمون أن فيهم جلدا وقوة ، ومن صنع شيئا بنية حسنة صالحة يريد بذلك وجه الله تعالى ، وكان عالما بما ذهب إليه فهو فاضل في فعله كان ذلك من أدون أعماله فلا ينبغي أن يستن به فيه ؛ لأنا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من شر الناس منزلة من يقتدي بسيئة المؤمن ويترك حسنته فأخبر أن للمؤمن سيئة وحسنة ، وإن من شرار الناس من تأسى بها معذرة لنفسه في هواها .




الخدمات العلمية