الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ الحكم ] الثاني : أنها أمانة ، فلا يضمن إلا عند التقصير ، وأسباب التقصير تسعة :

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يودعها المودع عند غيره بلا عذر من غير إذن المالك ، فيضمن ، سواء أودع عند عبده وزوجته وابنه أو أجنبي . والكلام في تضمين المالك المودع الثاني قد سبق في بابي الرهن والغصب . وإن أودعها عند القاضي ، فوجهان - سواء كان المالك حاضرا أو غائبا - أصحهما عند الجمهور : يضمن . فإن جوزنا الدفع إلى القاضي ، لم يجب عليه القبول إن كان المالك حاضرا والدفع عليه متيسرا ، وإن لم يكن كذلك ، لزمه القبول على الأصح ؛ لأنه نائب الغائبين .

                                                                                                                                                                        وإذا حمل الغاصب المغصوب إلى القاضي ، ففي وجوب القبول الوجهان ، لكن هذا أولى بالمنع ليبقى مضمونا للمالك . ومن عليه دين لو حمله إلى القاضي ، نظر ، إن كان بحيث لا يجب على المالك قبوله ، فالقاضي أولى ، وإلا ، فوجهان وأولى بالمنع وهو الأصح ؛ لأن الدين في الذمة لا يتعرض للتلف ، وإذا تعين ، تعرض له .

                                                                                                                                                                        وجميع ما ذكرناه هو فيما إذا استحفظ غيره وأزال يده ونظره عن الوديعة . أما إذا استعان به في حملها إلى الحرز ، فلا بأس ، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها .

                                                                                                                                                                        قال القفال : وكذا لو كانت خزانته وخزانة ابنه واحدة فدفعها إلى ابنه ليضعها في الخزانة . وذكر الإمام أن المودع إذا أراد الخروج لحاجاته ، فاستحفظ من يثق به من متصليه ، وكان يلاحظ المخزن في عوداته ، فلا بأس . وإن فوض الحفظ إلى بعضهم ، ولم يلاحظ الوديعة [ ص: 328 ] أصلا ، ففيه تردد . وإن كان المخزن خارجا عن داره التي يأوي إليها ، وكان لا يلاحظه ، فالظاهر تضمينه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هذا الذي ذكرناه ، إذا لم يكن عذر . فإن كان ، بأن أراد سفرا ، فينبغي أن يردها إلى مالكها أو وكيله . فإن تعذر وصوله إليهما ، دفعها إلى القاضي ، وعليه قبولها . فإن لم يجد قاضيا ، دفعها إلى أمين ، ولا يكلف تأخير السفر . فإن ترك هذا الترتيب فدفعها إلى الحاكم أو أمين مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله ، ضمن ، ويجيء في هذا الخلاف السابق . وإن دفع إلى أمين مع القدرة على الحاكم ، ضمن على المذهب . ولو دفن الوديعة عند سفره ، ضمن إن دفنها في غير حرزه [ أو في حرز ] ولم يعلم بها أمينا ، أو أعلمه حيث لا يجوز الإيداع عند الأمين ، أو حيث يجوز إلا أن الذي أعلمه لا يسكن الموضع . فإن سكنه ، لم يضمن على الأصح . كذا فصله الجمهور ، وجعل الإمام في معنى السكنى أن يراقبها من الجوانب ، أو من فوق مراقبة الحارس . وقيل : إن الإعلام كالإيداع سواء سكن الموضع ، أم لا .

                                                                                                                                                                        ونقل صاحب المعتمد وغيره وجهين ، في أن سبيل هذا الإعلام سبيل الإشهاد ، أم الائتمان ؟ أصحهما : الثاني . فعلى الأول ، لا بد من إعلام رجلين ، أو رجل وامرأتين .

                                                                                                                                                                        وكما يجوز الإيداع بعذر السفر كما تبين ، فكذا سائر الأعذار ، كما إذا وقع في البقعة حريق أو نهب أو غارة ، أو خاف الغرق ، وليكن في معناها إذا أشرف الحرز على الخراب ولم يجد حرزا ينقلها إليه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية