الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين ( 152 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " إن الذين اتخذوا العجل " إلها " سينالهم غضب من ربهم " ، بتعجيل الله لهم ذلك "وذلة" ، وهي الهوان ، لعقوبة الله [ ص: 134 ] إياهم على كفرهم بربهم " في الحياة الدنيا " ، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة .

وكان ابن جريج يقول في ذلك بما : -

15147 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين " ، قال : هذا لمن مات ممن اتخذ العجل قبل أن يرجع موسى عليه السلام ، ومن فر منهم حين أمرهم موسى أن يقتل بعضهم بعضا .

قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله ابن جريج ، وإن كان قولا له وجه ، فإن ظاهر كتاب الله ، مع تأويل أكثر أهل التأويل ، بخلافه . وذلك أن الله عم بالخبر عمن اتخذ العجل أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ، وتظاهرت الأخبار عن أهل التأويل من الصحابة والتابعين بأن الله إذ رجع إلى بني إسرائيل موسى عليه السلام ، تاب على عبدة العجل من فعلهم بما أخبر به عن قيل موسى عليه السلام في كتابه ، وذلك قوله : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) [ سورة البقرة : 54 ] ، ففعلوا ما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم . فكان أمر الله إياهم بما أمرهم به من قتل بعضهم أنفس بعض ، عن غضب منه عليهم بعبادتهم العجل . فكان قتل بعضهم بعضا هوانا لهم وذلة أذلهم الله بها في الحياة الدنيا ، وتوبة منهم إلى الله قبلها . وليس لأحد أن يجعل خبرا جاء الكتاب بعمومه ، في خاص مما عمه الظاهر ، بغير برهان من حجة خبر أو عقل . ولا نعلم خبرا جاء بوجوب نقل ظاهر قوله : " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم " ، إلى باطن خاص ولا من العقل عليه دليل ، فيجب إحالة ظاهره إلى باطنه . [ ص: 135 ]

ويعني بقوله : " وكذلك نجزي المفترين " ، وكما جزيت هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلها ، من إحلال الغضب بهم ، والإذلال في الحياة الدنيا على كفرهم ربهم ، وردتهم عن دينهم بعد إيمانهم بالله ، كذلك نجزي كل من افترى على الله ، فكذب عليه ، وأقر بألوهية غيره ، وعبد شيئا سواه من الأوثان ، بعد إقراره بوحدانية الله ، وبعد إيمانه به وبأنبيائه ورسله وقيل ذلك ، إذا لم يتب من كفره قبل قتله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

15148 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أيوب قال : تلا أبو قلابة : " سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا " الآية ، قال : فهو جزاء كل مفتر يكون إلى يوم القيامة : أن يذله الله عز وجل .

15149 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب قال : قرأ أبو قلابة يوما هذه الآية : " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين " ، قال : هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة .

15150 - . . . قال حدثنا حجاج قال ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، وحميد : أن قيس بن عباد ، وجارية بن قدامة ، دخلا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقالا : أرأيت هذا الأمر الذي أنت فيه وتدعو إليه ، أعهد عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم رأي رأيته؟ قال : ما لكما ولهذا؟ أعرضا عن هذا! فقالا : والله لا نعرض عنه حتى تخبرنا! فقال : ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كتابا في قراب سيفي هذا! فاستله ، فأخرج الكتاب من قراب سيفه ، وإذا فيه : "إنه لم يكن نبي إلا له حرم ، وأني حرمت المدينة [ ص: 136 ] كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة ، لا يحمل فيها السلاح لقتال . من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل" . فلما خرجا قال أحدهما لصاحبه : أما ترى هذا الكتاب؟ فرجعا وتركاه وقالا : إنا سمعنا الله يقول " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم " ، الآية ، وإن القوم قد افتروا فرية ، ولا أدري إلا سينزل بهم ذلة .

15151 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة : في قوله : " وكذلك نجزي المفترين " قال : كل صاحب بدعة ذليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية