الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ) .

                                                                                                                                                                                                                                            روى الكلبي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لم يعذب الله تعالى أمتين بعذاب واحد إلا قوم شعيب وقوم صالح ، فأما قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم ، وقوم شعيب أخذتهم من فوقهم ، وقوله : ( ولما جاء أمرنا ) يحتمل أن يكون المراد منه : ولما جاء وقت أمرنا ملكا من الملائكة بتلك الصيحة ، ويحتمل أن يكون المراد من الأمر العقاب ، وعلى التقديرين فأخبر الله أنه نجى شعيبا ومن معه من المؤمنين برحمة منه ، وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه تعالى إنما خلصه من ذلك العذاب لمحض رحمته ، تنبيها على أن كل ما يصل إلى العبد فليس إلا بفضل الله ورحمته .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن يكون المراد من الرحمة : الإيمان والطاعة وسائر الأعمال الصالحة ، وهي أيضا ما حصلت إلا بتوفيق الله تعالى ، ثم وصف كيفية ذلك العذاب ، فقال : ( وأخذت الذين ظلموا الصيحة ) وإنما ذكر الصيحة بالألف واللام إشارة إلى المعهود السابق ، وهي صيحة جبريل - عليه السلام - ( فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) والجاثم الملازم لمكانه الذي لا يتحول عنه ، يعني أن جبريل - عليه السلام - لما صاح بهم تلك الصيحة زهق روح كل واحد منهم بحيث يقع في مكانه ميتا ( كأن لم يغنوا فيها ) أي كأن لم يقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ) وقد تقدم تفسير هذه اللفظة ، وإنما قاس حالهم على ثمود لما ذكرنا أنه تعالى عذبهم مثل عذاب ثمود .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية