الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1601 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قرأت في أصل كتاب أبي أحمد: محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجي، حدثنا مسلم بن الحجاج قال: وقد زعم العائب يعني على الشافعي ، رحمه الله أنه ترك حديث عمار بن ياسر المشهور المعروف في التيمم الذي قد ثبته أهل العلم بالحديث، واحتجوا به، وصار إلى أن احتج برواية إبراهيم بن أبي يحيى، عن أبي الحويرث، عن الأعرج، عن ابن الصمة : "أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم، فمسح وجهه وذراعيه".

1602 - فشنع على الشافعي هذا التشنيع، وهو خلو من أن تلزمه هذه الشناعة، لأنه إنما يقال للرجل: ترك حديث فلان، وصار إلى حديث فلان، أن يكون الحديثان كلاهما عنده، فيميل بالقول إلى أحدهما دون الآخر.

1603 - فأما الحديث الذي زعم أنه تركه، ليس هو عنده فيكون له تاركا، وذلك لأن حديث عمار الذي صار أهل الحديث إلى القول به في التيمم، هو حديث الحكم، عن ذر، وقتادة، عن عزرة، كلاهما عن ابن أبزى، عن أبيه، عن عمار .

[ ص: 24 ] 1604 - وحديث الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي موسى ، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

1605 - وليس في كتاب الشافعي ، لا المصري، ولا البغدادي، واحد من هذه الأحاديث.

1606 - فلم استجاز العائب أن يعيبه، وهو في هذا خلو ظاهر من العيب، ولكن عائبه في هذا وأشباهه مجازف، ومقدم على ما لا علم له به.

1607 - إنما قال الشافعي في كتابه: قال عمار: "تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب".

1608 - وروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الوجه والكفين".

1609 - فكأن قوله: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب، لم يكن عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

1610 - فإن ثبت عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الوجه والكفين" ولم يثبت: "إلى المرفقين"، فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى.

1611 - وبهذا كان يفتي سعيد بن سالم.

1612 - هذا لفظ قوله: في البغدادي بين، فقد أعطى الحق من نفسه، ولم يترك للعائب فيه قولا، ولا لعتابه موضعا.

1613 - وقد أحسن الشاعر في وصف الرجل العيابة للأقوام، حيث يقول:

رب عياب له منظر مشتمل الثوب على العيب

.

[ ص: 25 ] 1614 - قال الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل الرواية، مما ذب عن الشافعي ، رحمه الله: وقد قال الشافعي في القديم: فيما حكي عنه، وقد روي فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، يريد، "الوجه والكفين"، ولو أعلمه ثابتا لم أعده، ولم أشك فيه، ثم ساق ما حكاه.

التالي السابق


الخدمات العلمية